متحف الليبي "علي قانة" يتحدى الفوضى بالفن

تعتقد هادية أن الفن يُنظر إليه على أنه "غير ضروري". وتنوّه هادية أن المعارض الفنية في بلدها الذي مزقته الحرب غالبا ما تركّز فقط على بيع الأعمال بدلاً من جعل الفن في متناول الجميع.

ويعبر زوار المتحف حديقة خضراء مزهرة ليصلوا إلى المعرض الدائم لأعمال علي قانة، من لوحات ومنحوتات ورسوم تخطيطية، في حين خُصِصَت الغرف الأخرى لإقامة معارض لفنانين آخرين وندوات وورش عمل.

وأشارت هادية قانة إلى إن حاوية شحن قديمة جُهِّزَت لاحتضان فنانين زوار و"منظمي معارض وعلماء متاحف"، يندر في ليبيا أولئك الذين يتمتعون بمهاراتهم.

لمدة أكثر من ٤ عقود، ظل الفنانون الليبيون عُرضة لقيود كانت تحد من حريتهم الإبداعية، فكانت الرقابة مفروضة عليهم وكانوا مضطرين إلى ممارسة الرقابة الذاتية.

وعبرّت قانة، 50 عاماً، وهي نفسها فنانة خزفيات، عن مشاعرها: "لم نكن نستطيع التعبير عن أنفسنا في السياسة أو انتقادها، مع أن الفن يجب ألا يكون خاضعاً لحواجز".

وفي بيت علي قانة، خلقت عائلته واحةً مسالمة للفكر والروح، شملت الكثير من آلام الحرب وعلامات الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالقذافي ومقتله. وتتدلى لافتة مرورية تحمل ثقوب الرصاص من البوابة تفصل المتحف عن المسكن الخاص.

وبين أزهار الحديقة، تُقدّم هادية للزوار المشروبات الباردة وقهوة الإسبريسو الإيطالية، إذ خلقت ابنته نسخة طبق الأصل عن مقهى جدها سعيد في المدينة القديمة بطرابلس.

وخلال الاضطرابات التي بدأت عام 2011، وجدت هادية قانة نفسها بمفردها في بيت أبيها وكانت تخشى "خسارة كل شيء إذا سقط صاروخ على المنزل". ومن هنا جاءت فكرة إنشاء متحف على أمل الحفاظ على أعمال والدها الثمينة وأرشيفه.

القتال المتقطع، وانقطاع المياه والكهرباء، والعزلة القسرية بسبب جائحة كوفيد، شكّلت صعوبات متراكمة حالت دون مواصلة المشروع. وفضّلت الأسرة عدم الاتكال على أموال المستثمرين أو رجال الأعمال أو حتى الحكومة، بغية الحفاظ على استقلالية المشروع.

وقالت ابنة الفنان إن المنزل تحول تدريجاً إلى مركز ثقافي يجسّد ما نادى به علي قانه وهو "التعليم والتربية من خلال الفن". وأوضحت أن المنزل ليس ضريحاً لذكرى الفنان، وإنما مركز للإبداع والتعليم.

وفي محفوظات الفنان الراحل أيضاً توثيق للحِرَف والمهن التقليدية التي اندثر بعضها بالكامل في الوقت الراهن.

ويوضح أكبر أبنائه، مهدي، المقيم في هولندا، أن "الحرف اليدوية أصبحت طوال 40 عاما نشاطاً محظوراً في ليبيا ، إذ أن القذافي فرض حظراً على كل المؤسسات الخاصة، فأمر بإغلاق المحال والمصانع.

وانكب والده خلال حياته على "بناء أرشيف من أجل ربط ماضي ليبيا بمستقبل محتمل".