استقالة بانغ تفضح مأزقًا داخليًا.. هل بدأت أزمة أبل الفعلية؟
في خضم سباق محتدم على كفاءات الذكاء الاصطناعي، وبينما كانت شركة أبل تحاول إقناع جمهورها ومطوريها بأنها دخلت المنافسة بجدية عبر منصة "Apple Intelligence"، تلقّت ضربة قاسية تمثّلت في استقالة أحد أبرز مهندسيها، رومينغ بانغ، الذي قاد فريق النماذج الأساسية المسؤول عن بناء العصب التقني لميزات الذكاء الاصطناعي في أجهزة الشركة.
الحدث لم يكن مجرّد انتقال وظيفي، بل جاء في سياق بالغ الحساسية، وسط نقاش داخلي في أبل حول مستقبل سيري وإمكانية الاستغناء عن النماذج الداخلية لصالح حلول من شركات خارجية مثل OpenAI وAnthropic.
وبينما كانت هذه النقاشات تُلقي بظلالها على معنويات الفريق، دخل مارك زوكربيرغ على الخط شخصيًا، ونجح في استقطاب رومينغ بانغ بعرض يُقدّر بعشرات ملايين الدولارات سنويًا، وفق ما كشفته تقارير متطابقة من بلومبرغ، وكذلك من وول ستريت جورنال.
هل بدأت سلسلة استقالات في قلب مشروع Apple Intelligence؟
استقالة رومينغ بانغ من أبل لم تكن حدثًا معزولًا، بل جاءت وسط مؤشرات على موجة رحيل متوقعة داخل فريق النماذج الأساسية في الشركة (AFM) وفقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ، فقد أبلغ العديد من المهندسين زملاءهم بنيّتهم مغادرة الفريق في المستقبل القريب، إما للالتحاق بميتا أو بشركات أخرى.
المؤشر الأبرز كان مغادرة "توم غنتر"، نائب رومينغ بانغ، الشهر الماضي، في وقتٍ تتهيّأ الشركة لإعادة هيكلة الفريق من خلال تسليم إدارته إلى "تشي فينغ تشين"، مع اعتماد بنية تنظيمية جديدة تضم عدة مدراء محتملين مثل "تشونغ وانغ"، و"زيروي وانغ"، و"تشونغ-تشنغ تشيو"، و"غولي ين"، بحسب ما أفادت بلومبرغ.
"ضبابية القرار وضعف القيادة".. هل فقدت أبل ثقتها بنماذجها الداخلية؟
بحسب التقارير الأربعة، فإن فريق AFM في أبل خضع في الآونة الأخيرة لتدقيق متزايد من الإدارة، التي تدرس بجدية إمكانية الاستعانة بنماذج خارجية من OpenAI أو Anthropic لتشغيل نسخة جديدة من المساعد الشخصي "سيري".
هذا التوجه، الذي يتزامن مع استمرار العمل على نسخة داخلية تستند إلى النماذج التي طوّرها رومينغ بانغ، ساهم في إضعاف المعنويات داخل الفريق، وفتح الباب أمام شعور باللايقين حول مستقبل عملهم.
وتزامن ذلك مع فقدان نائب رئيس الذكاء الاصطناعي، جون جياناندريا، لعدد من صلاحياته، بما في ذلك إدارة سيري، والروبوتات، وCore ML، بحسب ما أكّد تقرير بلومبرغ.
زوكربيرغ يستهدف الاختصاصات الحرجة
وفقًا لـCityAM، اعتُبرت صفقة استقطاب رومينغ بانغ "قفزة استراتيجية" بالنسبة لمشروع "الذكاء الفائق" الذي تقوده ميتا، نظرًا لخبرته المتقدّمة في النماذج صغيرة الحجم والتشغيل على الأجهزة (on-device)، وهي مجالات كانت أبل تُعد من روّادها، لكنها بدأت تعيد النظر بها لصالح حلول خارجية.
بانغ، الذي أمضى 15 عامًا في غوغل قبل التحاقه بأبل عام 2021، لعب دورًا محوريًا في تطوير النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) التي تقف خلف ميزات Apple Intelligence، بحسب ما أفادت Gizmodo.
وكان فريقه مسؤولًا عن جميع مراحل تطوير هذه النماذج، من البنية التدريبية (AXLearn) إلى تحسين الأداء متعدد الوسائط.
في المقابل، مارك زوكربيرغ لم يترك الأمر للصدفة. التقارير تؤكّد أنه تدخّل شخصيًا في التواصل مع بانغ كما يفعل مع معظم الكفاءات التي يسعى لاستقطابها إلى وحدة "الذكاء الفائق"، التي أنشأها مؤخرًا ضمن أولويات الشركة.
وقدّمت ميتا حوافز مالية ضخمة، بعضها يصل إلى 100 مليون دولار، لجذب هذه النخبة إلى فريق يقوده ألكسندر وانغ، المدير التنفيذي السابق لشركة Scale AI، بحسب وول ستريت جورنال.
هل فشلت أبل في تحويل التفاخر إلى إنجاز؟
ما يجعل توقيت استقالة رومينغ بانغ أكثر حساسية هو أنه جاء بعد أسابيع فقط من ظهوره في مؤتمر WWDC للاحتفاء بإنجازات فريقه. كتب بانغ على حسابه في LinkedIn "في WWDC قدمنا جيلًا جديدًا من النماذج اللغوية الكبيرة لتعزيز ميزات Apple Intelligence. أنا متحمّس للغاية للتقدم الذي أحرزناه منذ العام الماضي، وأشكر فريقي وكل المتعاونين معنا. لقد كانت تجربة فريدة بحق"، كما أوردت Gizmodo.
لكن، وكما أوردت وول ستريت جورنال، فإن النموذج الجديد لسيري الذي وعدت به أبل منتصف 2024 لم يرَ النور بعد، لأن النسخة الداخلية لم ترتقِ إلى معايير الجودة المطلوبة، بحسب تصريحات نُسبت إلى بعض التنفيذيين في الشركة.
وفي حين أن أبل أعلنت في يونيو الماضي أنها ستفتح نماذجها للمطورين، إلا أن ظهور "Apple Intelligence" خلال المؤتمر اقتصر على ميزات مثل ترجمة المكالمات وتحليل لقطات الشاشة، بينما استُعين بخدمات OpenAI وغوغل لتحسين قدرات توليد الصور، بحسب ما أكّده تقرير بلومبرغ.