فيلم"لا أرض أخرى".. هل يوقف "تهجير الضفة"؟
الأسبوع الماضي جاءت القوات الإسرائيلية وهدمت حظيرة عائلة فلسطينية في زاوية جبلية من الضفة الغربية، كما يقول السكان، وكانت هذه أحدث حالة من حالات التدمير التي استهدفت مجموعة من القرى التي يُهدد سكانها بالطرد.
والآن، يهلّل الفلسطينيون في منطقة مسافريطا لفوز الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى"، وهو فيلم يوثق نضال القرويين في الضفة الغربية الذين يواجهون خطر الطرد من قبل الجيش الإسرائيلي، بجائزة الأوسكار.
وأعربوا عن أملهم في أن يجلب لهم بعض المساعدة.
ويستعرض الفيلم منطقة مسافر يطا، وهي منطقة تلال نائية يسكنها نحو ألف فلسطيني، وأعلنتها إسرائيل منطقة تدريب عسكري بالذخيرة الحية.
وفي قرية التوانة، إحدى القرى التي تشكل مسافر يطا، قال سالم عدرا إن عائلته بقيت مستيقظة طوال الليل لحضور حفل توزيع جوائز الأوسكار. وشاهدوا شقيقه الأكبر، باسل عدرا، المخرج المشارك في الفيلم، وهو يصعد على المسرح لتسلم جائزة أفضل فيلم وثائقي، وقال: "كانت مفاجأة كبيرة، وفرحة".
ويتتبع فيلم "لا أرض أخرى" باسل عدرا وهو يخاطر بالاعتقال لتوثيق تدمير مسافر يطا على الحافة الجنوبية للضفة الغربية المحتلة، برفقة المخرج المشارك، الصحفي والمخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام.
فاز الإنتاج الفلسطيني-الإسرائيلي المشترك بسلسلة من الجوائز الدولية، بدءا من مهرجان برلين السينمائي الدولي في عام 2024. وبعد 5 سنوات من الإنتاج، اكتسب صدى أكبر وسط الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة في غزة والتي أجبرت سكانها بالكامل تقريبًا على ترك منازلهم، فضلاً عن الغارات المتزايدة في الضفة الغربية التي تسببت في نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، أثار الفيلم غضبا في إسرائيل، التي أصيبت بالندوب بسبب الهجوم الدموي الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023 والذي أشعل فتيل الحرب.
وقال سالم عدرا، الذي ساعد شقيقه في بعض الأحيان في تصوير الفيلم، إنه يأمل أن "يفتح فوز الأوسكار أعين العالم على ما يحدث هنا في مسافر يطا".
في تلك الليلة، بقيت عائلة سالم عدرا مستيقظة لمتابعة حفل الأوسكار، حيث شاهدوا شقيقه الأكبر باسل، المخرج المشارك للفيلم، يصعد إلى المسرح لاستلام جائزة أفضل فيلم وثائقي. ويقول سالم: "كانت مفاجأة كبيرة، وفرحة لا توصف".
ردود الفعل الإسرائيلية والغضب المتصاعد
في إسرائيل، أثار الفيلم استياء واسعا، لا سيما أنه عُرض في ظل الصدمة التي خلفها هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، والذي كان الشرارة التي أشعلت الحرب.
عند فوزه بجائزة مهرجان برلين، تعرض المخرج الإسرائيلي يوڤال أبراهام لانتقادات حادة بسبب خطابه، الذي طالب فيه بإنهاء الحرب في غزة دون الإشارة إلى الهجوم الأولي لحماس وأسر الرهائن. وفي خطاب الأوسكار، أشار أبراهام إلى كلا الأمرين، لكن ذلك لم يهدئ موجة الغضب في إسرائيل.
ووصف وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار فوز الفيلم بأنه "لحظة حزينة لعالم السينما"، متهما صانعيه بـ"تشويه الواقع" واستخدام "الإساءة إلى إسرائيل" كوسيلة للترويج للفيلم.
تصاعد الضغوط على العائلة والمجتمع المحلي
قال سالم إنه منذ عرض الفيلم لأول مرة، زادت التهديدات والضغوط ضد عائلته. كما تعرضت سيارتهم للرشق بالحجارة من قبل المستوطنين. وبعد فوز الفيلم بجائزة في مهرجان برلين السينمائي الدولي قبل عام، عاد الجيش مرارا وتكرارا إلى منزل العائلة، واعتقل والده ذات مرة، وفتش هاتفه وسأله: "لماذا تصور؟"
وحدد الجيش الإسرائيلي مسافر يطا كمنطقة تدريب على إطلاق النار الحي في الثمانينيات وأمر بطرد السكان، ومعظمهم من البدو العرب. وقالت إسرائيل إن البدو ليس لديهم هياكل دائمة في المنطقة.
لكن العائلات تقول إنها عاشت ورعت أغنامها وماعزها في جميع أنحاء المنطقة قبل فترة طويلة من استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية في حرب الشرق الأوسط عام 1967.
المخاوف من التهجير القسري
بعد معركة قانونية استمرت 20 عاما من قبل السكان، أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية أمر الطرد في عام 2022. وظل حوالي 1000 من السكان في مكانهم إلى حد كبير، لكن القوات تتحرك بانتظام لهدم المنازل والخيام وخزانات المياه وبساتين الزيتون، ويخشى الفلسطينيون من أن يأتي الطرد التام في أي وقت.
وقال سالم عدرا إن أحدث عملية تدمير جاءت يوم الأربعاء، عندما هدمت القوات سقيفة عائلة في قرية قريبة.
وتبرر إسرائيل ذلك بأنهم لم يكن لديهم منشآت دائمة في المنطقة، لكن العائلات الفلسطينية تؤكد أنها تعيش هناك منذ أجيال طويلة، وكانت ترعى أغنامها قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967.
توسع المستوطنات والعنف ضد الفلسطينيين
قال سالم عدرا، وهو يقف على سلسلة صخرية فوق التوانة، إن المستوطنين اليهود بدعم من الجيش أقاموا 10 بؤر استيطانية حول القرية منذ 7 أكتوبر 2023.
وقاد الراعي رائد الحمامدة، 48 عاما، قطيع الماعز عبر الأرض الصخرية، وأشار إلى إحدى البؤر الاستيطانية، مع الخيام ومقطورة ترفع علم وحدة عسكرية إسرائيلية، على الجانب الآخر من واد صغير. ولم يعد المزارعون يعتنون ببستان الزيتون في الوادي خوفا من التعرض للهجوم.
وقال الحمامدة إن الجيش يستخدم طائرات بدون طيار لطرد القطعان إذا اقتربت كثيرا من البؤر الاستيطانية. وقال: "المستوطنون يهاجمون. عندما نرعى الأغنام لا نستطيع الذهاب بعيدا كما ترون. فقط حتى هذه النقطة يمكننا الوصول". وأشار إلى أنقاض منزل قال إن المستوطنين دمروا، مما أدى إلى طرد الأسرة وحرق أثاثها.
عادة ما تحتفي إسرائيل بالأفلام المرشحة للجوائز الدولية، لكن بعد هجوم حماس، أصبح هناك شعور عام بالحزن والصدمات، كما أوضحت رايا موراغ، أستاذة السينما في الجامعة العبرية بالقدس، والتي أشارت إلى أنه "يصعب سماع أي أصوات أخرى في ظل الأجواء الحالية".
وقالت أمس الاثنين إنه لم يتضح بعد ما إذا كان الفوز سيجلب المزيد من الاهتمام للفيلم الوثائقي في إسرائيل، مضيفة: "لن يكون من الممكن للناس تجاهل رسالة المخرجين، بما في ذلك الأشخاص الذين لم يشاهدوا الفيلم".
وفي خطاب قبوله ليلة الأحد، دعا باسل عدرا العالم "إلى وقف الظلم ووقف التطهير العرقي للشعب الفلسطيني".
وقال إنه يأمل ألا تضطر ابنته المولودة حديثا إلى "عيش نفس الحياة التي أعيشها الآن.. أشعر دائما بالعنف من جانب المستوطنين وهدم المنازل والتشريد القسري".