"زواج أقل طلاق أكثر" في سوريا.. حالة طبيعية أم استثنائية؟

يوضح المحامي السوري، غزوان قرنفل أن الإحصائيات المنسوبة للمكتب المركزي للإحصاء صحيحة تماماً لأنها "تستمد أصلا من واقع سجلات المحاكم الشرعية ودواوينها".

وصحيح أنها تقتصر فقط على مناطق سيطرة الحكومة السورية "إلا أنها تعطينا صورة شبه شاملة عن واقع العلاقات الزوجية والروابط الاجتماعية في واقع المجتمع السوري الحالي"، كما يقول المحامي لبلينكس.

قرنفل يعتبر أن "ما يحصل هو الانعكاس الصارخ لواقع المجتمع والروابط الأسرية الهزيلة".

ويضيف أن ما سبق "ناجم عن واقع اقتصادي صعب، وانقسامات مجتمعية أفقية وعمودية مرعبة".

ورغم أن الواقع "مفجع" حسبما يرى المحامي السوري، إلا أنه "واقع الحال".

ويتابع "لا يمكننا التنكّر له، ما يوجب العمل على ترميم هذه البنية بالسرعة الكلية قبل أن نصل للتحلل الشامل والكامل".

تصدّرت العاصمة السورية دمشق أعلى نسبة طلاق لعام 2022 بمعدل 8 آلاف و516 شهادة، تليها حلب التي كانت توصف قبل الحرب بـ"العاصمة الاقتصادية لسوريا".

لكن وبالنظر إلى الإحصائيات وفيما يتعلق بالزواج تتبادل المحافظتان الأدوار، حيث تستحوذ حلب على المرتبة الأولى في أعداد المتزوجين وتليها دمشق.

الباحثة الاجتماعية السورية، سلام طاهر تشير خلال حديثها لبلينكس إلى جملة من العوامل والآثار التي كرستها الحرب على مدى السنوات الماضية.

وتقول إنها شكّلت صورة الحالة التي بات يعيشها المجتمع السوري.

ومن هذه الآثار: زيادة الضغوط النفسية، وتفكك العلاقات الاجتماعية، العنف الأسري، إهمال تربية الأطفال، انتشار ظاهرة الزواج المبكر، الانحلال الأخلاقي.

وبنظرة سريعة تضيف الباحثة "نجد أن مجتمعنا السوري بالفعل يعاني من جميعها".

ويضاف إليها الآثار السلبية للانهيار الاقتصادي وعدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية للأسرة، مع فقدان الأمل في تحسن الأوضاع على المدى القريب أو البعيد، حسب الباحثة.

وتوضح أنه وبناء على ما سبق "يكون ارتفاع نسب الطلاق نتيجة طبيعية مع انخفاض الرغبة في الزواج، أو حتى عدم القدرة على الزواج مع وجود الرغبة به".

لأكثر من مرة وضع باحثون اجتماعيون في سوريا اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي في ازدياد معدلات التفكك الأسري.

ودائماً ما تحدثوا عن "التقليد الأعمى ومحاكاة الآخرين" التي تفرزها المنصات على مدار الساعة، وهو ما أشارت إليه الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق الدكتورة ولاء يوسف.

يوسف قالت لصحيفة الوطن، شبه الرسمية، في 25 يناير الماضي، إن أسباب ارتفاع معدل الطلاق وتراجع نسب الزواج يرتبط بـ"تغيّر احتياجات الأسرة والاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي".

واعتبرت أن "وسائل الإعلام تنقل وتروج أفكاراً مغلوطة عن الزواج وطبيعة العلاقات، ما يجعل الشباب يصدمون بواقع الزواج عندما يعيشونه".

وهناك دور لـ"لحركات النسوية في تفعيل دور المرأة وتمكينها نفسياً واقتصادياً واجتماعياً والتقليل من الدور الذكوري في الكثير من مفاصل الحياة بعد أن كان دوره رئيسياً"، كما أشارت المتحدثة.

يرفض الباحث الاجتماعي، محمد الصواف فكرة نسب أسباب ارتفاع الطلاق قياساً بالزواج إلى نقاط محددة بعينها.

ويرى في حديث لبلينكس أن "السلبيات باتت تحيط بالأسر من كل جانب، وكذلك الأمر بالنسبة للشاب الذي يتخذ قرار الزواج لكنه يتفاجأ بواقع غير وردي".

الصواف يؤكد أن الآثار التي تفرضها الحروب ساعدت بشكل كبير بوصول البلد إلى ما هو عليه اجتماعياً.

ويوضح أنها تبدأ بالتفكك على مستوى المجتمع الواحد وصورة الزواج التي كانت سائدة سابقاً، ولا تنتهي عند حد الواقع الاقتصادي الذي بات يولد "إفلاساً ومشاكل نفسية".

وتعيد أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق، ولاء يوسف أسباب ارتفاع الطلاق في البلاد في أحد جوانبه إلى أن "الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين الزوجين من حيث الاهتمامات والقدرات والميول".

وتقول إن "اهتمامات فئة الشباب اختلفت مؤخراً عن السابق بشكل كبير، وعزف الكثير منهم عن فكرة الزواج نتيجة رؤيتهم الكثير من حالات الطلاق والمشكلات العائلية التي يمرون بها أيضاً".