صراعات
33 ألف قتيل، ومئات آلاف المهجرين، ومجاعة على الأبواب، ودمار بحجم كارثة إنسانية.. هكذا تبدو غزة بعد 6 أشهر من حرب إسرائيلية على حركة حماس، في قطاع محاصر برا وبحرا وجوا.
في الـ7 من أكتوبر، عبر مئات المقاتلين من حركة حماس السياج الحدودي، الذي اعتقدت تل أبيب أنه منيع، واقتحموا التجمعات السكانية بمستوطنات غلاف غزة، في هجوم غير مسبوق في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تقول إسرائيل إن 1200 شخص قُتلوا في اليوم الأكثر دموية بالنسبة لهم. وتعهدت بحرب لن تنتهي قبل القضاء على حركة حماس، وأقسم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على الثأر.
تخلل الحرب وقف لإطلاق النار وتبادل للأسرى. ولا تزال مفاوضات جارية بهدف التوصل لاتفاق ينهي أكبر أزمة إنسانية في المنطقة، وسط دعوات دولية إلى إنهاء القتال.
فما أبرز محطات الحرب الإسرائيلية على حماس؟ وما الوضع الحالي للقطاع ومن بقي فيه؟ ولماذا لم تنته الحرب؟
صدر القرار الإسرائيلي بالقضاء على حماس سريعا بعد 7 أكتوبر، وبدأت العملية العسكرية في النصف الشمالي من قطاع غزة، إذ صدرت الأوامر إلى مئات الآلاف من السكان بالإخلاء والتوجه للجنوب. وبعد وقف إطلاق النار لمدة أسبوع في نهاية نوفمبر، حولت القوات الإسرائيلية انتباهها نحو الجنوب، وأمرت الناس مرة أخرى بالفرار.
ومنذ فبراير، توغلت القوات الإسرائيلية في كل أنحاء غزة تقريبا، باستثناء منطقة صغيرة في وسط القطاع ومدينة رفح على الطرف الجنوبي، إذ نزح أكثر من نصف سكان غزة.
وتقول السلطات الصحية في غزة، إنه تم التأكد من مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، قرابة 40% منهم من الأطفال، ولا تزال هناك آلاف الجثث تحت الأنقاض. وأصيب أكثر من 75 ألف شخص، ما يعني أن نحو 5% من السكان قُتلوا أو أُصيبوا، دون احتساب الوفيات الناجمة عن الجوع والظروف غير الصحية وانهيار خدمات الرعاية الصحية.
إسرائيل تقول إنها قتلت أكثر من 13 ألفا من مقاتلي حماس، وتحمّل المسلحين مسؤولية إلحاق الأذى بالمدنيين بسبب الاندساس بينهم، بما في ذلك من خلال شبكة من المخابئ والأنفاق تحت الأرض. وتنفي حماس انتشار مقاتليها وسط المدنيين.
وبحسب وكالة الأونروا، فإن أكثر من 60% من الوحدات السكنية دُمرت، فضلا عن تدمير 392 منشأة تعليمية، و123 سيارة إسعاف، و184 مسجدا. وتوقفت شبكة الكهرباء عن العمل في أكتوبر.
في بداية الحرب، فرضت إسرائيل حصارا شاملا. وسمحت تدريجيا بدخول المساعدات، أولا من خلال معبر رفح مع مصر مخصص للأفراد، ثم عبر نقطة تفتيش قريبة مع تل أبيب نفسها.
وتقول إسرائيل إنها لا تفرض أي قيود على الإمدادات الغذائية والإنسانية، لكن وكالات الإغاثة والدول المانحة تشير إلى أن عمليات التفتيش الإسرائيلية المرهقة تعني إمكانية تعليق الشحنات لأسابيع.
وتضيف أنه "لا يمكن عبور سوى عدد صغير من بين 500 شاحنة يوميا كانت غزة تعتمد عليها في السابق. ويصعب توزيع أو نقل الإمدادات التي تدخل القطاع بسبب الانفلات الأمني مع تفكك السلطات المدنية".
وتقول إسرائيل إنها تسمح الآن باستخدام نقاط تفتيش برية إضافية وبإسقاط المساعدات جوا وتسليمها بحرا. لكن لا يوجد في غزة ميناء بحري ملائم، وتقول وكالات الإغاثة إن عمليات الإسقاط الجوي محدودة النطاق وخطيرة. ولا يوجد حتى الآن طريق بري إلى شمال غزة حيث الظروف أكثر سوءا.
للمجاعة 3 مراحل، نقص حاد في الغذاء ما يؤدي إلى تفشي سوء التغذية، وفي النهاية الموت الجماعي بسبب الجوع والمرض.
ووفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة لمراقبة الجوع في العالم، فقد تجاوزت غزة بالفعل المعيارين الأولين، نقص الغذاء وسوء التغذية، وأصبح الموت الجماعي "وشيكا" ما لم تزد المساعدات بصورة فورية. ويتوقع أن تتفشى المجاعة بحلول شهر مايو.
وذكر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي منذ أشهر أن غزة تعاني من أكبر حالة لانعدام الأمن الغذائي تشهدها على الإطلاق.
وفي تقريره الصادر في مارس، أشار التصنيف إلى أن 100% من سكان غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في منشور على موقع التواصل الاجتماعي إكس في الرابع من مارس، نقلا عن فريق منظمة الصحة العالمية الذي زار مستشفيين، إن الأطفال يموتون جوعا في شمال غزة.
وفي جنوب غزة، إذ يعمل صحافيو رويترز، لجأ بعض السكان إلى إطعام أطفالهم أوراق الشجر بعد غليها.
وتقول إسرائيل إن منهجية تقرير التصنيف المرحلي المتكامل معيبة، وتدعي أنه لا يوجد نقص في الغذاء في غزة. وتلقي باللوم في أي جوع على عمليات وكالات الإغاثة وعلى المسلحين الذين تقول إنهم يخزنون الطعام.
وبالإضافة إلى الجوع، تشعر وكالات الإغاثة بالقلق إزاء نقص الرعاية الصحية والصرف الصحي. ولم تعد هناك مستشفيات تعمل بكامل طاقتها في الشمال، ولا يوجد سوى عدد قليل منها يعمل في الجنوب. وداهمت إسرائيل المستشفيات وحاصرتها مرارا، قائلة إن مسلحي حماس يستخدمونها كقواعد، وهو ما تنفيه الطواقم الطبية.
ويؤدي الاكتظاظ إلى انتشار الأمراض، ويجد العديد من الأشخاص صعوبة بالغة في العثور على مراحيض نظيفة أو أماكن للاستحمام بشكل دائم أو لا يمكنهم الوصول إليها على الإطلاق.
وذكرت أونروا في 22 فبراير أن 12 مستشفى فقط لا تزال تعمل جزئيا في غزة، وأن هناك أكثر من 300 ألف حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة وأكثر من 200 ألف حالة إسهال مائي.
مع تكدس نحو نصف سكان القطاع في رفح حاليا، يقول البعض إنه لم يعد هناك مكان للفرار إليه. وتقول إسرائيل إن وحدات حماس المسلحة الرئيسية وقادتها يحتمون في المدينة، وإن الاجتياح البري ضروري لهزيمتهم. ووعدت بالتنسيق مع مصر وإجلاء المدنيين شمالا داخل غزة دون تقديم أي تفاصيل.
ووصفت واشنطن الهجوم المزمع بأنه خطأ، قائلة إن إسرائيل يمكنها استهداف المسلحين بأساليب من شأنها أن تلحق أذى أقل بالمدنيين.
وذكرت الأمم المتحدة أن الهجوم على رفح سيتسبب في كارثة إنسانية. ويقول فلسطينيون إنهم يخشون أن يكون هدف إسرائيل النهائي هو تهجيرهم من غزة إلى مصر، وهو ما تنفيه إسرائيل.
منذ وقف إطلاق النار الوحيد في الحرب في نهاية نوفمبر عندما أطلقت حماس سراح نحو نصف الأسرى لديها، أجرى الجانبان محادثات بوساطة قطرية مصرية للتوصل إلى هدنة أخرى.
واقترح الجانبان وقفا جديدا لإطلاق النار لمدة 40 يوما تقريبا، يشمل إطلاق سراح نحو 40 رهينة مقابل مئات المعتقلين الفلسطينيين. ورفض كل طرف مقترحات الطرف الآخر، لكن الوسطاء يقولون إن المحادثات ما زالت بناءة.
وذكرت إسرائيل أنها ستناقش فقط وقفا مؤقتا للقتال ولن تنهي الحرب حتى القضاء على حماس. وتقول حماس إنها لن تطلق سراح الرهائن دون التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب ويمهد لانسحاب إسرائيل.
أوقدت الحرب شرارة أعمال عنف في بؤر توتر متفرقة في الشرق الأوسط انخرطت فيها جماعات مسلحة متحالفة مع إيران.
وتبادلت إسرائيل على حدودها الشمالية إطلاق النار مع جماعة حزب الله، المدعومة من إيران، ما أدى إلى إجلاء عشرات الآلاف من سكان القرى الحدودية على الجانبين.
وفي الضفة الغربية، إذ تمارس السلطة الفلسطينية المدعومة دوليا حكما ذاتيا محدودا في ظل احتلال عسكري إسرائيلي، قُتل مئات الأشخاص في أسوأ أعمال عنف منذ عقود.
وفي سوريا، استهدفت إسرائيل مرارا قواعد يشتبه أنها تضم مستشارين عسكريين إيرانيين في غارات جوية.
وفي العراق، قصفت الولايات المتحدة فصائل مسلحة مدعومة من إيران بعد هجمات استهدفت قواعد أميركية، وهدأت تلك الهجمات منذ ذلك الحين.
أما في اليمن، فهاجمت جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران وتسيطر على العاصمة صنعاء، سفن الشحن في البحر الأحمر. وردت الولايات المتحدة وبريطانيا بهجمات جوية.
مع استمرار الحرب شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مشاحنات متزايدة لم يعهدها تحالفهما الوثيق الممتد منذ 75 عاما إلا قليلا.
أيد الرئيس الأميركي جو بايدن بقوة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس، لكنه حث الإسرائيليين أيضا في خطاب ألقاه في تل أبيب على عدم الانسياق للغضب.
ومنذ ذلك الحين، كثف بايدن ومسؤولون آخرون في الإدارة الأميركية دعواتهم لإسرائيل إلى بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين والسماح بدخول المساعدات.
وتقول واشنطن إن هدفها هو التوصل إلى اتفاق سلام أوسع نطاقا يتطلب آفاقا لقيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وهو محور أساسي في السياسة الأميركية منذ عقود، إلا أن نتنياهو يرفض ذلك.
وأثارت خطة إسرائيل لمهاجمة رفح انتقادات أقوى من واشنطن. وفي مارس، دعا زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي الإسرائيليين إلى إجراء انتخابات جديدة تنهي حكم نتنياهو.
وامتنعت واشنطن في وقت لاحق عن استخدام حق النقض (الفيتو) لوقف قرار من مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار. ورد نتنياهو بإلغاء رحلة مقررة لوفد إسرائيلي إلى واشنطن. وتواصل الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة