تجارة السلاح في العراق.. انفلات بقبضة البندقية

يباع السلاح في العراق بالسر والعلن، إذ كان هذا النوع من التجارة رائجا جدا خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، فمثلا في بغداد، هناك سوق السراجة بساحة الشهداء، وسوق مريدي، وغيرهما العديد من نقاط بيع الأسلحة.

كما يتوزع عدد من التجار المعروفين على مناطق بغداد، كعباس البنا في الكاظمية الذي كان من أشهر تجار السلاح في تسعينيات القرن الماضي، وقبله عداي المريوش في العطيفية، وأحمد الرشيد وسعدي البندقجي في الفلوجة، أحد أقدم تجار الأسلحة.

أخذت تجارة أدوات الموت طابعا شبه رسمي نهاية التسعينيات، عندما أجاز النظام العراقي السابق، فتح محال لبيع وصيانة الأسلحة، وفي عام 2017، بدأت وزارة الداخلية بالسماح بفتح مكاتب رسمية لبيع السلاح.

إجازة مثل هذه المحال قد يصل سعرها لـ15 ألف دولار، تدفع بشكل غير قانوني لتسهيل الترخيص، وفق شهادة "أحمد عبدالسلام"، أحد العاملين بتلك المتاجر، المنتشرة في المناطق ذات الغالبية الشيعية، خصوصا في مدينة الصدر والشعلة.

وزارة الداخلية اشترطت على الباعة، جلب المشتري لموافقة حمل سلاح من الوزارة، لكن هذا الشرط كما يقول عبدالسلام، شكلي فقط.

يقول عبدالسلام إن تكلفة إجازة حيازة وحمل السلاح لمدة 5 سنوات هي 2000 دولار تقريبا، عن طريق مكتب ينجزها بالعلاقات، لكن مؤخرا قلصت المدة إلى سنتين فقط.

في أغسطس 2021، أصدرت السلطات العراقية قرارا بغلق محال بيع الأسلحة، إلا أنه لم ينفّذ سوى على عدد قليل من المحال.

جولة صغيرة وسط محال الأسلحة على الأرض أو مجموعات هذه التجارة على مواقع التواصل الاجتماعي، تدفع للتساؤل، كيف تدخل الأسلحة الحديثة للعراق؟ وكيف تصل للمدنيين؟

"من سوريا، أو الشمال، أو حتى من الجيش نفسه"، هكذا أجاب معتصم المعموري، أحد رواد سوق الأسلحة ببغداد، إذ تحدث عن خط تجارة معروف، يبدأ من سوريا وينتهي في بغداد.

بعربات تابعة للحشد الشعبي، تُنقل الأسلحة من سوريا ومن معبر القائم تحديدا، وتباع في العراق، على يد عناصر المليشيات الذين باتوا يبنون ثروة من هذه التجارة الرائجة، فمثلا يمكن شراء أو جلب بندقية "كلاشينكوف" مجانا من سوريا، وبيعها من 300 إلى 700 دولار في العراق.

الطريق الثاني يمر من الشمال، وتحديدا عبر محافظة السليمانية، إذ ينتشر هناك تجار أسلحة أكراد، يمكنهم توريد كميات كبيرة، تخرج من السليمانية وتدخل محافظة ديالى، وهناك تُسلّم لعناصر متنفذة في الدولة، وبدورها تبيعها للمحال والتجار، وفقا لحديث المعموري.

أما الطريقة الثالثة، فهي الأغرب، فمثلا تشاهد اقتناء الكثيرين لبندقية M16 الأمريكية التي وزّعت حصرا للجيش العراقي، أو سلاح M249 SAW الأمريكي الذي لم يقتنيه أحد سوى جهاز مكافحة الإرهاب، فكيف وصل ليد المدنيين؟ وباتت مشاهدته في الأفراح أو المآتم أمرا مألوفا؟

وبإلقاء نظرة على أسعار السلاح، يمكن معرفة حجم التجارة من هذا النوع، فالمسدسات الشخصية تتراوح بين 1600 إلى 15 ألف دولار، فيما يصل سلاح BKC الروسي إلى 3 أو 5 آلاف دولار، بينما يكون سعر القاذفة RBG7 نحو 200 دولار مع قذيفة واحدة.

ينتشر السلاح بشكل كبير لدى العشائر في العراق، إذ تمتلك كل عشيرة، خصوصا في جنوب البلاد، جيشا صغيرا قوامه من أبناء العشيرة، ومجهزا بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وقد تتوفر الثقيلة أيضا، وعادة ما تظهر في النزاعات القبلية بتلك المناطق.

تحسين الذهيباوي امتهن تجارة السلاح بين محافظات ميسان والبصرة وذي قار، وقد ساعده غياب سلطة الدولة في بعض المناطق النائية على إنشاء مستودعات للسلاح تعتبر مخزونا لثروته.

بعد طول انتظار، وافق الذهيباوي على الحديث لبلينكس، شرط تغيير اسمه الأول، خشية من "الإحراج" كما يقول، وألا يعرّض المتعاونين معه للخطر.

يملك الذهيباوي مشاجب، تحتوي على مئات البنادق الروسية وقاذفات الصواريخ، فضلا عن عدد من مدافع الهاون، يبيعها للعشائر في تلك المنطقة، خصوصا عند اندلاع نزاع لا يتوقع حله بسهولة.

يروي أن بعض العشائر وصلت إلى مراحل تسليح عالية، فإحداها تمتلك صواريخ كاتيوشا، والأخرى مدافع هاون بل حتى ألغاما، تستخدم كما يقول للضرورات، وقد أسهمت أحداث دخول تنظيم داعش في 2014 بانتشار السلاح لدى تلك القبائل التي يعمل أبناؤها في صفوف الحشد.

شبكة علاقات واسعة من رجال أمن وموزعين وسماسرة، تساعد الذهيباوي في عمله الذي يقتضي الحذر والسخاء في التعامل مع المطبات.