طلاب غزة.. عمال بشهادة الحرب

كان من المفترض أن يبدأ معتز (15 عاما) الدراسة في الصف العاشر، لكنه استيقظ في الخيمة التي يعيش بها في دير البلح وسط غزة، وأرسله أهله ليملأ وعاءً من المياه من على بعد أكثر من كيلومتر.

وتقول والدته، أم زكي، ولديها 5 أطفال، لرويترز في رسالة نصية: "عادة، هذا اليوم بيكون مناسبة للاحتفال، والأطفال رايحين مدارسهم، ولابسين الزي الجديد، بيحلموا يكبروا ويصيروا أطباء ومهندسين، اليوم بس بنتمنى إنه الحرب تخلص، بدون ما نفقد أي أحد منهم".

يقول العاملون في المجال الإنساني إن الحرمان المطول من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بأطفال غزة. وتقول تيس إنغرام، المتحدثة الإقليمية باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن الأطفال الأصغر سنا يعانون في نموهم المعرفي والاجتماعي والعاطفي، والأطفال الأكبر سنا معرضون لخطر أكبر من جرهم إلى العمل.

وتضيف إنغرام "كلما طالت فترة بقاء الطفل خارج المدرسة، زاد خطر تركها بشكل دائم وعدم العودة إليها".

بدل أن يعود أطفال عائلة قديح إلى المدرسة هذا الأسبوع، تعثّروا وهم يحملون أكواما من الأنقاض التي جمعوها من مبنى مدمر لبيعها، لاستخدامها في بناء قبور في المقبرة التي أصبحت الآن منزلهم في جنوب غزة.

بعد أن حمل هو وإخوته الثلاثة، أصغرهم يبلغ من العمر 4 سنوات، حمولة من قطع الخرسانة، قال عز الدين قديح، البالغ من العمر 14 عاما: "أي شخص في سننا في بلدان أخرى يدرس ويتعلم.. نحن لا نفعل ذلك. نحن نعمل في شيء يتجاوز قدراتنا.. نحن مجبرون على ذلك من أجل الحصول على لقمة العيش".

وكان الأطفال يمشون حفاة على الطرق الترابية لحمل المياه في أوعية بلاستيكية من نقاط التوزيع إلى أسرهم التي تعيش في مدن الخيام وتعج بالفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم. وينتظر آخرون في مطابخ الجمعيات الخيرية حاملين حاويات لإحضار الطعام.

يقول مؤمن قديح إن أطفاله كانوا يستمتعون بالمدرسة قبل الحرب. ويضيف "كانوا طلابا متميزين. لقد ربيناهم جيدا".

الآن يعيش هو وأبناؤه الـ4 وابنته في خيمة في مقبرة في خان يونس، بعد أن اضطروا إلى الفرار من منزلهم في الأحياء الشرقية من المدينة. وقال إن الأطفال يخافون النوم بجوار قبور الموتى، لكن ليس لديهم بديل.

كل يوم في الساعة 7 صباحا، يبدأ قديح وأطفاله في البحث وسط الأنقاض. خارج خيمتهم، يجلسون على الأرض ويسحقون الخرسانة حتى تتحول إلى مسحوق.

وفي يوم جيد، بعد ساعات من العمل، يكسبون نحو 15 شيكلا (4 دولارات) من بيع المسحوق لاستخدامه في بناء قبور جديدة.

ويتحدث بحسرة "أبكي عليهم عندما أراهم بأيدٍ ممزقة.. في الليل، لا يستطيع الأطفال المنهكون النوم بسبب آلامهم وأوجاعهم. إنهم يرقدون على فراشهم مثل الموتى".

حوّلت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تدير ما يقرب من نصف مدارس غزة، أكبر عدد ممكن من هذه المدارس إلى ملاجئ تؤوي آلاف الأسر النازحة.

وتقول جولييت توما، مديرة التواصل والإعلام في "الأونروا"، لرويترز: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال بعيدا عن المدارس، زادت صعوبة تعويض ما فاتهم من تعليم، وصاروا أكثر عرضة لأن يصبحوا جيلا ضائعا وفريسة للاستغلال، بما في ذلك زواج الأطفال وعمالة الأطفال والتجنيد في الجماعات المسلحة".

بالإضافة إلى 625 ألف طالب في غزة مسجلين بالفعل ولم يبدأوا العام الدراسي الجديد، تقول وزارة التعليم إنه كان من المفترض أن يلتحق 58 ألف طفل في السادسة من العمر، بالصف الأول، ليبدأوا مشوارهم الدراسي.

وأطلقت "الأونروا" الشهر الماضي برنامج "العودة إلى التعلم"، في 45 من مراكز اللجوء التابعة لها، إذ أعدَّ معلمون ألعابا وقصصا وأنشطة فنية وموسيقية ورياضية، للمساعدة في تحسين الصحة النفسية للأطفال.