ورطة سوريا تنتقل إلى لبنان.. حمص تُهدد عرين حزب الله

خلال خطابٍ له في أغسطس عام 2013، أعلن الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله، الذي اغتالته إسرائيل يوم 27 سبتمبر الماضي، استعداده آنذاك للذهاب شخصيا، للقتال في سوريا "إذا احتاجت المعركة هذا الأمر".

حديث نصرالله حينها جاء بمناسبة ذكرى حرب يوليو بين لبنان وإسرائيل عام 2006، وكان بمثابة تأكيدٍ على مشاركة "حزب الله" إلى جانب الجيش السوري، بعدما اندلعت الحرب في البلاد عام 2011.

أما الآن، فإنّ حديث الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم، لم يكن مشابها على الإطلاق، بل جاء مخالفا له وبعيدا عنه تماما، سواء من حيث اللهجة والنبرة أو في المعنى والمغزى، علما بأنّ الهجمة التي تقودها الفصائل المسلحة تعتبر كبيرة وشرسة، فمناطق كبرى ضمن سوريا سقطت تحت قبضتها، وبالتالي، فإنّ ما يجري لا يقل أهمية عما حصل قبل 11 عاما، فكيف يُفسِّر كلام قاسم؟

يقول المحلل السياسي اللبناني، إبراهيم بيرم، لـ"بلينكس"، إنَّ قاسم لم يُعلِن "مساندة سوريا" بشكل واضح، كما فعل نصرالله سابقا، مشيرا إلى أن موقفه يمثل عنوانا "مطاطا"، ولا يحمل أي التزامٍ بدعم سوريا عبر الحشود العسكرية، وقال "بطبيعة الحال، فإنّ حزب الله هو حليف الجيش السوري، وبالتالي، فإنه من المفترض أن يعلن موقفا داعما، وقد يكون ذلك في الإطار المعنوي".

وتابع "هناك التزام بتعهد سابق أساسه دعم سوريا بكلّ حالاتها، وموقف قاسم هو ترجمة لهذا الالتزام، لكن الأخير لم يتحدّث صراحة عن دعم عسكري واضح".

من ناحيته، يكشف الخبير العسكري اللبناني، العميد هشام جابر، لـ"بلينكس"، أنّ "حزب الله جهّز مجموعة كبيرة من المقاتلين لمساندة سوريا"، مشيرا إلى أنّ هؤلاء يوجدون في منطقة البقاع، شرق لبنان، وقال "الحرب التي واجهها حزب الله أثّرت في عتاده، لكنها لم تُؤثّر في قواته".

وتابع "عند الضرورة، فإنّ حزب الله سيُرسل آلاف العناصر إلى سوريا، لأن الهجمة التي يقوم بها المتمرّدون هناك، ستُنعش خلايا تنظيم داعش النائمة، ومن الممكن أن تتحرك مجددا للوصول إلى منطقة البقاع شرق لبنان، مثلما حصل قبل نحو 8 سنوات".

التقدُّم الكبير لجماعات المعارضة السورية تجاه حمص، يعتبر مُؤثّرا جدا في لبنان، كون هذه المدينة قريبة للغاية من الحدود الشمالية - الشرقية للبنان. مع هذا، فإنّ هذه المنطقة تهدد وجود "حزب الله" داخل لبنان.. فكيف ذلك؟ وماذا يُؤثّر سقوطها فيه؟

يقول جابر إنّ منطقة حمص محورية ومركزيّة جدا بالنسبة إلى حزب الله، فهي تعتبر امتدادا له، كما أنها تُشكّل صلة وصل مع منطقة البقاع اللبنانية التي تعتبر أساسا للحزب.

من جهته، يقول الخبير العسكري العميد جورج نادر، لـ"بلينكس"، إنّ حمص قريبة للغاية من منطقة القصير التي سيطر عليها "حزب الله"، وهجَّر سكانها ووضع جماعات أُخرى مكانهم، وقال "عمليا، فإنَّ أي تقدُّم للمسلّحين تجاه منطقة حمص، يعني تهديد منطقة البقاع اللبنانية الحدودية مع سوريا، وبالتالي اهتزاز عرين حزب الله هناك".

نادر سأل أيضا عن مدى قدرة "حزب الله" على التصدّي لجحافل المسلحين الآتين نحو حمص، وقال "في حال أرسل حزب الله مقاتلين إلى سوريا، فإنّ ذلك يعني سماحه لهيئة تحرير الشام بالانتقال إلى لبنان. مع هذا، فإنّ هناك شكوكا بشأن قدرات حزب الله في التصدي لتقدّم المسلحين وسط انهيارات كبيرة في صفوف الجيش السوري، فالخسائر التي مُنِي بها كبيرة على الصعيدين اللوجستي والعسكري، وأعتقد أن أمين عام الحزب نعيم قاسم، ليس ساذجا لإعلان مساندة سوريا عسكريا، لأنه يعلم ظروف تنظيمه في الوقت الراهن".

من ناحيته، يقول الصحافي والإعلامي السوري حيدر مصطفى، لـ"بلينكس"، إنّ "دخول الجماعات المسلحة إلى حمص، سيُتيح لها إمكانية التواصل مباشرةً مع المتشددين في مُختلف المناطق اللبنانية وبكُلِّ سهولة، وهذا حتما سينقل المعركة إلى الداخل اللبناني".

وأضاف "ما يحصل في سوريا يُهدِّد المنطقة ككل، وذلك في حال تمدّدت الجماعات المسلحة بشكل أوسع. الدولة السورية، حاولت على مدى أكثر من 12 عاما، أن تفهّم العالم حقيقة مواجهتها لإرهاب دولي منظم ومدعوم مِن أطراف إقليمية، لكن بعض الأطراف الدولية أصرَّت على اعتبارها أزمة سياسية فقط، وأسهمت في تعميقها، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن".

وتابع "الواقع اليوم يدعو جميع دول المنطقة لاتخاذ خطوات جدّية داعمة لسوريا ووحدتها، وإلا فإنّ دول المحيط ستكون أولى المُتأثّرين، وفي مقدّمتها لبنان".

ما إن أعلن أمين عام حزب الله نعيم قاسم، دعمه لسوريا حتى نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي، فجر الجمعة، غارات جوية استهدفت معبريْن بريين بين لبنان وسوريا، وهما معبر العريضة في شمال لبنان ومعبر جوسيه شرق البلاد.

عسكريا، يقول العميد نادر إنَّ إسرائيل تستهدف المعابر لإرسال إشارة إلى "حزب الله"، مفادها أنّ انتقاله إلى سوريا سيكون مهددا وتحت الضربات، مشيرا إلى أنّ الجو مكشوف بالنسبة إلى الإسرائيليين، وأي تحرّك لحزب الله عبر أي معبرٍ سيكون تحت الرصد والاستهداف.

بدوره، توقَّع العميد جابر أن تتكثَّف الضربات الإسرائيلية على المنطقة الشرقية في لبنان لارتباطها بسوريا، مشيرا إلى أنّه لدى حزب الله عشرات المعابر للمرور بين لبنان وسوريا، كما أن لديه آليات انتقال خاصَّة، لا يعرفها أحد سوى المعنيين بها.

ويقول المحلل السياسي إبراهيم بيرم، إنَّ ضربات المعابر التي تُنفّذها إسرائيل، تهدف لإبلاغ حزب الله بأنّ خطوط إمداده من سوريا إلى لبنان، باتت مُهدّدة، وذلك بالتوازي مع الهجمات التي يُنفّذها المسلحون في مناطق أخرى، وقد تُسهم في التأثير في خطوط الإمداد إلى لبنان.

وفي بيان، الجمعة، قال الجيش الإسرائيلي إن قواته منتشرة على طول الحدود مع سوريا، ومستعدّة لجميع السيناريوهات.

وتابع: "الجيش الإسرائيلي عزّز قواته الجوية والبرية في الجولان، بناءً على تقييم الوضع في سوريا".

وأشارت القناة 14"" الإسرائيلية إلى "تطور نادر للغاية"، بانعقاد المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" 3 مرات خلال 3 أيام (الخميس، والسبت، والأحد)، لمتابعة تطوّرات الأحداث في سوريا.