"كانوا يكذبون علينا".. هذه العبارة كررها المئات من أهالي معتقلين في سوريا دفعوا مبالغ كبيرة لضباط في النظام السوري السابق أو نافذين مقربين من السلطة لقاء خبر بسيط عن أبنائهم، وهذة الكذبة جمعت لهؤلاء الأشخاص نحو مليار دولار خلال 13 عاما من الأزمة السورية.
يقول سوريون يائسون متمسكون بحلم رؤية أبنائهم وأزواجهم وأشقائهم المفقودين مرة أخرى، إنهم تعرضوا للابتزاز بشكل ممنهج لدفع رشاوى يصل مجموع قيمتها إلى مئات ملايين الدولارات.
لكن أسوأ ما في الأمر أن هؤلاء المسؤولين على اختلاف مناصبهم والمحامين والمحتالين وأنصار الأسد الذين كانوا يطلبون الرشاوى في كثير من الأحيان لم ينقلوا أي معلومات عن المعتقلين، الذين فارق عشرات الآلاف منهم الحياة، وفقا لمراقبين معنيين بحقوق الإنسان.
قبل عامين، وقبل الانهيار المفاجئ لحكم الأسد الأسبوع الماضي في مواجهة هجوم خاطف شنه مقاتلو فصائل مسلحة، حاولت مجموعة حقوقية تقدير المبلغ الذي دفعته عائلات المعتقلين على مرّ سنوات.
وأجرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مئات المقابلات لسؤال الأسر عن المبالغ التي دفعوها مقابل وعود بمعلومات أو زيارة أو حتى إطلاق سراح ذويهم.
ووفقا لبيانات الرابطة، جنى مسؤولون حكوميون ومؤيدون للنظام نحو 900 مليون دولار. وقد اعتقل مئات آلاف الأشخاص منذ اندلاع الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد مطلع عام 2011.
فماذا كشف أهالي المعتقلين؟ وكم دفعوا لقاء خبر صغير؟
اعرف أكثر
جاءت سناء عمر، 38 عاما، من مدينة حلب شمال سوريا إلى العاصمة دمشق سعيا للحصول على أخبار تتعلق بشقيقها محمد الذي اختفى عندما كان في الـ15 من عمره.
وتقول في مشرحة مستشفى المدينة حيث أودع مقاتلو الفصائل المسلحة جثثا مجهولة الهوية عُثر عليها في سجون دمشق "شقيقي مفقود منذ عام 2011. لا نعرف عنه أي شيء أو في أي سجن".
وتضيف بأسى "دفعنا لكل المحامين. كانوا يعدوننا بأنه موجود وبمعلومات" عنه، موضحة "عندما فُقد بحثنا في كل سجلات الأمن ولم نجده".
تشرح عمر "كان أبي يذهب كل سنة إلى الشام، دمشق، يرى محامين أو ضباطا من النظام. كنا ندفع 200 أو 300 ألف"، وتضيف "كانوا يعدوننا بعد شهر سترون ابنكم، وكنا ننتظر شهر واثنان أن يأتونا بطلب موافقة (لزيارته) وكانوا يكذبون علينا".
وتشير إلى أن الأسرة استمرت في دفع الرشاوى لـ5 أعوام "بعدها فقدنا الأمل".
بعد مرور 13 عاما على اندلاع النزاع في سوريا، باتت أبواب سجن صيدنايا، المبنى الكبير القاتم ذو الجدران الرمادية والمطل على واد قاحل تظهر فيه بعض الفيلات الفخمة، مفتوحة.
وهذه المرة بدلا من أن تدفع الأسر مالا للمسؤولين أو الوسطاء مقابل فتات المعلومات، يبحث هؤلاء بشكل يائس في سجلات مهجورة عن أخبار أقاربهم المفقودين.
ويقول الشاب حسن هاشم، ضخم البنية الذي جاء من ريف حماة شمال سوريا، إنه جاء "للبحث عن شقيقي المعتقل في سجن صيدنايا منذ 2019"، في محاولة يائسة أخيرة لمعرفة مصيره.
ويضيف أن شقيقه الآخر كان يزور شقيقه المعتقل لكن "منذ سنة أخذوه لإعادة التحقيق إلى فرع 48، وكنا نلاحقه ودفعنا أكثر من 12 ألف دولار".
ويشير إلى وعود بأنه "سيخرج اليوم، سيخرج غدا"، مضيفا أن شقيقه "متزوج ولديه 4 بنات واتُّهم بالإرهاب".
ويتابع هاشم أنه لدى نقل شقيقه المدان بـ"الإرهاب الدولي وحمل السلاح ضد الدولة"، إلى قاعدة المزة الجوية في دمشق، تم ربط الأسرة بأحد أقرباء مسؤول كبير في النظام.
ويقول "قالوا إنهم بحاجة إلى 100 ألف دولار لإخراجه. قلت لهم حتى وإن بعت قريتي كاملة لن أحصل على 100 ألف دولار. من أين لي أن أحصل على هذا المبلغ؟".
الآن، يتجول المدنيون المذهولون ومقاتلو الفصائل المسلحة المسلحة في قاعات صيدنايا الخرسانية التي تضم الزنازين، ويركلون حصائر النوم المهجورة التي تظهر أن كل زنزانة كانت مكتظة وتضم 20 سجينا.
ويقف مقاتلون وزوار في الطابق الأرضي من أحد أقسام السجن أمام مكبس هيدروليكي يقول معتقلون سابقون إنه كان يستخدم لسحق السجناء أثناء جلسات تعذيب.
وتقول أيوش حسن، 66 عاما، التي جاءت من ريف حلب بحثا عن ابنها بغضب لفرانس برس خارج السجن "منذ شهر طلبوا 300 ألف، وقالوا إنهم طلبوا ملفه وهو موجود في صيدنايا وبخير".
وأضافت باكية "ليس هنا، إنه ليس معنا"، واصفة مشهد السجلات المحروقة بينما تجمع بعض الأشخاص لسماع قصتها ومعرفة ما يحزنها.
وقالت "نريد أولادنا أحياء أم أموات. محروقين، أو رماد، أو مدفونين جماعيا. فقط أبلغونا".
وتضيف بحرقة "كذبوا علينا. لقد كنا نعيش على الأمل لمدة 13 عاما، معتقدين أنه سيخرج خلال شهر، أو في الشهرين المقبلين أو هذا العام أو في عيد الأم.. كل هذه أكاذيب".