في حديث صحافي، خرج قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني ليؤكد لصحيفة تايمز التزام دمشق باتفاقية 1974 لفض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا والاستعداد لإعادة المراقبين الدوليين، وأن بلاده لن تكون منصة لشن هجمات تجاه إسرائيل.
حديث الجولاني جاء بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطط التوسع الاستيطاني في هضبة الجولان المحتلة، إذ قال إن "تقوية الجولان، تقوية لإسرائيل" في خطوة جديدة أعقبت تجاوزا للجيش في منطقة عازلة لم يكن قد دخلها منذ عام ١٩٧٤.
إسرائيل لم تتوقف عند الجولان أو المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع بل وصلت إلى جبل الشيخ الذي يتجاوز ارتفاعه الـ2800 متر وله ٤ قمم في منطقة استراتيجية إذ يقع بين سوريا ولبنان ويطل على إسرائيل، ويمكن لسكان الأردن رؤيته. تبرر إسرائيل هذا التوغل بالتخوف من الفوضى والجماعات الموجودة في سوريا بعد مبرر إيران التي ضعف وجودها عقب سقوط نظام الأسد.
نتنياهو يعبر إلى سوريا
وقال نتنياهو إنه عقد الثلاثاء اجتماعا أمنيا على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل، بعدما سيطرت إسرائيل على منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية.
وقال في شريط فيديو وزعه مكتبه "أنا هنا في قمة جبل الشيخ، ونحن هنا لتقييم الوضع لاتخاذ قرار بشأن الانتشار الإسرائيلي في هذا المكان المهم".
وأضاف "سنبقى في هذا المكان المهم حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل".
لكن هذه المبررات لا يرى فيها المجتمع البحثي الإسرائيلي ما يدعو إلى القلق، وأن فرص تل أبيب في سوريا أصبحت أكبر من التهديدات.. فماذا نعرف عن خطط الاستيطان الإسرائيلية؟
اعرف أكثر
تزعم الرواية اليهودية أن الجولان كانت جزءا من أراضي سبط منسى، وكانت تسمى قديما "باشان"، وأن كلمة "جولان" مشتقة من المدينة التوراتية "جولان في باشان"، والتي كانت محل نزاع بين مملكة إسرائيل اليهودية الشمالية والمملكة الآرامية المتمركزة في دمشق، بحسب المكتبة اليهودية الافتراضية.
وخلال حرب عام ١٩٦٧ احتلت إسرائيل المرتفعات، وأنشأت مستوطناتها التي وصلت الآن إلى أكثر من ٣٠ مستوطنة يقطنها:
30 ألف مستوطن إسرائيلي.
23 ألف عربي درزي يحتفظ معظمهم بالجنسية السورية، لكن هذا لا يكفي إسرائيل فقد أعلن بنيامين نتنياهو التوسع في الاستيطان بمبرر جديد هو أن "تقوية هضبة الجولان هو تقوية لدولة إسرائيل، وهي مهمة على نحو خاص في هذا التوقيت، وأن بلاده ستواصل التمسك بها والاستقرار فيها، حسب ما قال في بيانه.
هذه الخطوة، أتت بعد أيام قليلة استيلاء إسرائيل على منطقة عازلة تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974، بل خارج المنطقة العازلة إذ سيطرت على جبل الشيخ الاستراتيجي، المطل على ٤ دول، واصفة الأمر أنه "مؤقت ودفاعي نتيجة الفراغ على حدود إسرائيل وفي المنطقة العازلة" بعد سقوط نظام الأسد، بحسب فرانس برس.
خلال الحرب التي استمرت في سوريا لأكثر من عقد، كان هدف إسرائيل الاستراتيجي هو منع الوجود العسكري الإيراني في جميع أنحاء البلد المجاور، بما في ذلك بناء البنية التحتية العسكرية الإيرانية وزراعة قوات شريكة محلية، وسعت إلى إبعاد القوات التابعة لإيران عن خط الهدنة في الجولان، بحسب دراسة لمجموعة الأزمات الدولية.
والآن بعد سقوط نظام الأسد، أصبحت إيران بلا قوة في سوريا وفقد حزب الله شريانا رئيسيا من طرق إمداداته، بحسب وصف الأمين العام للحزب نعيم قاسم في خطاب.
رغم ذلك، فإن بعض المبررات الإسرائيلية ظهرت داخل مجتمع المحللين الإسرائيليين في أعقاب استيلاء إسرائيل على جبل الشيخ والمنطقة العازلة، كان أولها ما قاله المراقبون إن أيدولوجية هيئة تحرير الشام تشبه حماس، لا سيما وأنها تتلقى دعما تركيّا.
لكن الجولاني رئيس الهيئة قال في تصريح إن "الوضع السوري المنهك بعد سنوات من الحرب والصراعات لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة".
على جانب آخر، لا يشعر مراقبون إسرائيليون بالقلق، إذ تشير كارميت فالنسي، مديرة برنامج أبحاث سوريا في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب إلى أن فرص إسرائيل في سوريا باتت أكبر من التهديدات، خاصة أن معظم الجماعات المتمردة بالقرب من حدود الجولان ليست متحالفة مع هيئة تحرير الشام وتشمل مقاتلين من المجتمعات الدرزية، وهو ما يتفق فيه آموس يادلين إذ يستبعد أن يواجه الجولان تهديدا مباشرا، بحسب تصريحات لـإيكونومست البريطانية.
في عام 2014 اجتاح مسلحون يسعون للإطاحة بالأسد محافظة القنيطرة على الجانب السوري، وأجبروا القوات السورية الحكومية على الانسحاب وفرضوا على قوات الأمم المتحدة في المنطقة الانسحاب من بعض مواقعها. وظلت المنطقة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة حتى صيف عام 2018 حين عادت القوات السورية الحكومية إلى مدينة القنيطرة والمنطقة المحيطة التي كان معظمها مدمرا بعد حملة دعمتها روسيا واتفاق سمح لمقاتلي المعارضة بالانسحاب.
تتمركز قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في معسكرات ونقاط مراقبة في الجولان يدعمها مراقبون عسكريون من هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، بحسب رويترز.
جغرافيا، يمتدّ جبل الشيخ بين سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل، ويشرف على الجولان التي تحتلها إسرائيل إضافة إلى كل من دمشق وبادية الشام وسهول حوران في سوريا، فيما يتجاوز ارتفاعه 2800 متر عن سطح البحر، ويُطلق عليه جبل حرمون وهي لفظة كنعانية تعني "الحرم"، بحسب بي بي سي.
تاريخيا، بدأ الجيش الإسرائيلي احتلاله للجزء اللبناني من جبل الشيخ في أواخر يوليو 1970 وحتى 2 مارس 1972، إلى جانب منطقتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وإثر مقتل نقيب إسرائيلي يُدعى دوف رودبرغ، يوم 6 سبتمبر 1970، بالقرب من منقطة رويسة العلم في جبل الشيخ، قررت إسرائيل استبدال كلمة "سفوح جبل الشيخ" بكلمة هاردوف. لغويا، فإن كلمة "هار" تعني جبل، بينما دوف هي نسبة للضابط دوف رودبرغ المولود عام 1948، وفق ما يذكر المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات.
من ناحيته، يقول الخبير العسكريّ اللبناني العميد هشام جابر في حديث سابق لبلينكس إنّ جبل الشيخ يعتبر نقطة محورية جدا، مشيرا إلى أنه يطلّ على منطقة البقاع وسوريا وإسرائيل وأيضا على البحر المتوسط، ويضيف "هذه منطقة استراتيجية، فقمة الجبل هي سورية بينما حدود لبنان تقع عند سفحه".
يلفت جابر إلى أنّ إسرائيل سيطرت على قمة الجبل أثناء استفادتها من الفوضى القائمة في سوريا عقب انهيار نظام الأسد، مشيرا إلى أن هذا الأمر كان متوقعا، وقد حصل.
بدوره، يقول الخبير العسكري اللبناني العميد جورج نادر إن احتلال الجيش الإسرائيلي لقمة جبل الشيخ يمنحه قدرة للإشراف على منطقة جنوب لبنان بشكل دقيق، لافتا إلى أن هذا الاحتلال يُعطي الجيش الإسرائيلي فرصة للإشراف على منطقة البقاع بشرق لبنان وبالتالي التحكم بهاتين المنطقتين بأكملهما".