كيف تجاوزت "شام" مجاعة غزة واستعادت جزءا من وزنها؟
احتفلت الطفلة شام قديح، التي وصلت إلى إيطاليا قادمة من غزة للعلاج من سوء التغذية الحاد، بعيد ميلادها الثاني. الطفلة اكتسبت وزنا بفضل نظام غذائي جديد يتضمن عصيدة خاصة.
قوبل تحسنها الملحوظ بترحيب من الأطباء الذين يعالجونها من سوء تغذية حاد، تفاقم بسبب مرض أيضي وراثي.
قبل أسبوعين فقط، كانت الطفلة مجرد جلد وعظام تتشبث بأمها في مستشفى جنوب غزة، بعد أشهر من عدم قدرتها على الحصول على الطعام والعلاج الذي تحتاجه بسبب الحصار الإسرائيلي على القطاع.

شام قديح تبدأ رحلة التعافي من المجاعة. أ ب
والتقطت مريم أبو دقة، الصحفية المستقلة في وكالة أسوشيتد برس، مقطعا مصورا يظهر الطفلة وهي تتألم بين ذراعي والدتها، وشعرها متشابك وضلوعها بارزة من صدرها، في 9 أغسطس، قبل أيام قليلة من إجلاء الطفلة إلى إيطاليا لتلقي العلاج الطبي، إلى جانب 6 أطفال فلسطينيين آخرين، وقبل مقتل الصحفية نفسها في قصف إسرائيلي أثناء تأدية عملها في القطاع.
وكانت هذه واحدة من آخر الصور التي التقطتها مريم التي كانت ضمن 22 شخصا قتلوا في قصف إسرائيلي لمستشفى في جنوب غزة في 25 أغسطس.
وبعد شهر تقريبا من تصويرها، تجلس شام منتبهة على سرير مستشفى في نابولي، وشعرها الأشقر الناعم مربوط على شكل ذيل حصان وترتدي قميصا مطبوعا عليه كلمة "لطيف".
عيناها الواسعتان تلمعان وتبتسمان عندما تناديها أختها الكبرى وأمها باسمها عبر الغرفة.

شام قديح تستعيد 1.5 كيلوغرام بعد رحلة علاجية من غزة إلى إيطاليا. أ ب
ويتولى الدكتور دانييلي دي برازي هو أخصائي الأمراض الوراثية لدى الأطفال علاج الفتاة الصغيرة في مستشفى سانتوبونو باوسيليبون للأطفال في نابولي.
وقال إن شام كانت "في حالة سريرية خطيرة وصعبة" عندما وصلت، حيث كان وزنها 4 كيلوغرامات تقريبا، لكن وزنها الآن 5.5 كيلوغرامات، وهو ما زال لا يتجاوز نصف متوسط وزن طفل في سنها، وفقا للطبيب.
وقال الطبيب إن "جزءا كبيرا" من سوء التغذية الذي تعاني منه يعود إلى مرض أيضي وراثي يطلق عليه داء تخزين الجليكوجين، وهو ما أكدته الفحوصات الأولية.
لا تزال الفحوصات المعملية جارية لتحديد المتحور المحدد، وهو ما سيساعد في تحديد العلاج المستقبلي وتوقعات حالتها.
لكن حتى الآن يشعر الفريق الطبي "برضا بالغ" من التقدم في حالة شام.
سوء التغذية ونفاد الحليب في غزة
عانت شام من سوء التغذية منذ ولادتها، قبل أسابيع قليلة من هجوم 7 أكتوبر 2023. وكافحت والدتها إسلام، حتى تحصل على الرعاية الطبية المناسبة، وزارت العديد من المستشفيات والعيادات.
اشتبه الأطباء في إصابتها بهذه الحالة النادرة لكنهم لم يتمكنوا من إجراء اختبارات للكشف عنها، فضلا عن علاجها بشكل صحيح، وأحيانا كانوا يصفون لها المضادات الحيوية.

الطبيب المعالج لشام قديح. أ ب
ولفترة من الوقت، وصف الأطباء تركيبة حليب خاصة لكن شام رفضت تناولها بعد أن فقدت شهيتها لشرب الحليب بعد نفاد مخزونه في غزة.
في الشهر الماضي، حذرت الأمم المتحدة من أن المجاعة وسوء التغذية في غزة وصلا أعلى مستوياتهما منذ بدء الحرب.
وتبين أن نحو 12 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية في يوليو، من بينهم أكثر من 2500 طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وهو المستوى الأخطر.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن هذه الأعداد قد تكون أقل من العدد الحقيقي.
ووفقا لوزارة الخارجية الإيطالية، فإن شام من بين 181 طفلا فلسطينيا يعالجون في إيطاليا.
وصل ثلث هؤلاء تقريبا منذ شهر مارس، عندما أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار مع حماس وفرضت حصارا لمدة شهرين ونصف على كل الواردات، بما في ذلك الغذاء والدواء.
مدير منظمة الصحة العالمية حذر، الجمعة، من استمرار المجاعة في غزة، داعيا إسرائيل إلى وقف هذه "الكارثة"، ولافتا إلى أن 370 شخصا على الأقل قضوا بسبب الجوع في القطاع المحاصر والمدمر منذ بداية النزاع.
وقال تيدروس ادهانوم غيبريسوس خلال مؤتمر صحافي في مقر المنظمة في جنيف "إنها كارثة كان يمكن لإسرائيل أن تتجنبها وتستطيع وقفها في أي لحظة".
وذكر بأن الأمم المتحدة أعلنت في 22 أغسطس، أن حالة مجاعة تسود بعض مناطق قطاع غزة، في حين نفت إسرائيل حصول مجاعة.
وأضاف غيبريسوس منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، قضى 370 شخصا على الأقل بسبب سوء التغذية في غزة، بينهم أكثر من 300 خلال الشهرين الأخيرين.
كيف تحسنت حالة شام في نابولي؟
في نابولي، تم وضع أنبوب تغذية في أنف شام لضمان حصولها على المزيج المناسب من العناصر الغذائية طوال الليل.
خلال النهار، يسمح لها بتناول الأطعمة الصلبة، والتي قال الطبيب إنها تشمل كذلك اللحوم والأسماك. وتعد العصيدة الغنية بالكربوهيدرات العنصر الأساسي في نظامها الغذائي.
ويبلغ استهلاكها الحالي حوالي 500 سعر حراري في اليوم، وهو ما يقوم الأطباء بزيادته تدريجيا.

شام قديح وشقيتها جودي. أ ب
سافرت جودي، شقيقة شام البالغة من العمر 10 سنوات، معها إلى إيطاليا كأحد أفراد الأسرة المرافقين.
وقال دي برازي إن الأطباء بدأوا في علاجها هي الأخرى بعد أن لاحظوا أنها تعاني من نقص في الوزن بما لا يقل عن 3 أو 4 كيلوغرامات، مضيفا "لقد اكتسبت كيلوغرامين وهي الآن في حالة جيدة".
مع تحسن حالة ابنتيها، تشعر والدة الفتاتين ببعض الراحة، لكن من السابق لأوانه التفكير في العودة إلى غزة، بحسب قولها.