جولة جديدة.. "الأفرو سنتريزم" تثير الجدل في القاهرة

فكّر الباحث والناشط الأميركي موليفي أسانتي، ذو الأصول الأفريقية، في تأسيس حركة عالمية تدافع عن أصحاب البشرة السمراء، وتحفظ حقوقهم في بناء الحضارات القديمة والحديثة.

وفي فترة الثمانينيات من القرن الماضي، أسس موليفي أسانتي حركة المركزية الأفريقية "أفرو سنتريزم" المعروفة أيضا باسم "أفروسنتريك"، وهي حركة ثقافية وسياسية يدعمها الأميركيون أصحاب الأصول الأفريقية والبشرة السمراء.

وتهدف الحركة إلى تسليط الضوء على هيمنة الغرب على الحضارة الأفريقية قديما عن طريق الاستعمار والعبودية، مع توجيه الدعوة لكل أفريقي أو غربي يتمتع بأصول أفريقية لتعريف العالم بالحضارة الأفريقية القديمة.

ومن ضمن أبرز أيدولوجيات الأفرو سنتريزم، اعتبار أن حضارة الفراعنة في مصر هي في الأساس حضارة أفريقية بالكامل، ومن خلالها شكل الأفارقة مهد الحضارات في العالم القديم.

وتتمحور فكرة المركزية الأفريقية حول أن الأوروبيين سرقوا الحضارة المصرية القديمة التي هي في الأصل حضارة أفريقية وفقا لمعتقداتهم، الأمر الذي يدخل المنتمين إلى هذا الفكر في صراعات مستمرة مع علماء المصريات من المصريين والأجانب.

نشر البروفيسور "كابا" وهو أحد أشهر المرشدين السياحيين المنتمين إلى "الأفرو سنتريزم" مجموعة من الصور لوفد أفريقي من أصحاب البشرة السمراء، في قلب المتحف المصري بميدان التحرير وسط القاهرة، مع تعليق أثار غضب المصريين حيث كتب: "ندرس تاريخنا في متحف القاهرة".

وبعد دقائق من نشر "كابا" صور الوفد الأفريقي لمتحف التحرير الذي يعد أقدم المتاحف المصرية التي تحتوي على آثار فرعونية، تعرض لهجوم كبير من مواطنين مصريين، وطالب البعض بالتحقيق معه.

وتحولت صفحة كابا إلى ملتقى لتعليقات المصريين المناهضين لحركة المركزية الأفريقية والمدافعين عن حضارتهم ضد ادعاءات الأفرو سنتريزم، التي تسلبهم تاريخهم، ليضطر البروفيسور كابا إلى حذف المنشور والصور من على صفحته بفيسبوك.

ورغم عدم صدور أي بيانات أو تحركات من وزارة السياحة والآثار المصرية، أو إدارة المتحف المصري، طالبت أعداد كبيرة من الجمهور المصري على مواقع التواصل الاجتماعي، بضرورة إدراج أسماء "كابا" وأصحاب الأفكار التي تحاول سرقة حضارة مصر، ضمن الممنوعين من زيارة الأماكن الأثرية التاريخية.

ورد عالم المصريات العالمي الشهير، زاهي حواس، وزير الآثار المصري السابق، على رحلة البروفيسور كابا إلى المتحف المصري بالتحرير، مؤكدا أن كل ما يدعونه مجرد خيالات ليس لها أساس من الصحة.

وفند حواس ادعاءات "الأفرو سنتريزم" مشيرا إلى أن مملكة كوش السوداء حكمت مصر لمدة 500 عام قبل الميلاد، تزامنت مع نهاية الحضارة الفرعونية، ولم تترك أي أثر في الحضارة، بل أن الحضارة المصرية هي التي أثرت في هؤلاء، مشيرا إلى أن الرسوم على جدران المعابد تظهر الملوك المصريين وأمامهم الأسرى من أفريقيا ودول أخرى.

وشدد حواس على أن ملامح التماثيل والرسومات من الحضارة المصرية القديمة تظهر بما لا يدع مجالا للشك الملامح المصرية المعروفة، دون أي علامات تشير إلى أنهم كانوا أفارقة من أصحاب البشرة السمراء، واتهم زاهي جماعة البروفيسور كابا بنشر معلومات كاذبة ومضللة.

ولإثبات وجهة النظر التي تتبعها "الأفروسنتريزم" دخلت الحركة في عدة جولات ثقافية ضد مصر، بشكل مباشر وغير مباشر، مستخدمة الفن في أغلب الحالات لترسيخ أفكارها وتغيير الصورة النمطية عن الحضارة الفرعونية.

وكان آخر ما أغضب المصريين، تقديم مسلسل عن الملكة كليوباترا العام الماضي، عبر منصة نتفليكس مع تجسيدها كملكة أفريقية سمراء اللون جاءت من جنوب القارة لحكم الشمال في مصر، ليواجه المسلسل حملات مقاطعة ونقد واسعة في مصر.

وقدم الإعلامي الإنجليزي بيرس مورغان، حلقة عن الصراع الثقافي بين مصر والأفرو سنتريزم، ليرد نظيره المصري الذي حل ضيفا عليه، باسم يوسف، بأن أتباع الحركة يريدون سرقة التاريخ المصري، وأن مسلسل كليوباترا السوداء استمرار لهذا التحرك.

وفي عام 2022 أعلن الممثل الكوميدي الأميركي كيفين هارت إقامة حفل "ستاند آب كوميدي" في مصر، لتنظم ضده حملة واسعة النطاق بسبب نشاطاته مع "الأفرو سنتريزم" ضد الحضارة الفرعونية.

وكان أشهر ما قاله هارت هو إنه يجب أن يُعلم الأفارقة الأجيال الجديدة تاريخهم، عندما كانوا ملوكا في مصر القديمة، وليسوا مجرد عبيد، على حد وصفه، ليتم تداول هذه العبارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتنمو ضده الحملة لتصل في النهاية إلى إلغاء الحفل.

وشارك هارت في أعمال كارتونية تتحدث عن الحضارة المصرية القديمة، إذ صورت المصريون القدماء في هيئة أفارقة من أصحاب البشرة السوداء، مع ارتداء الملابس المصرية الفرعونية، الأمر الذي زاد غضب المصريين.