قبل الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر، إذا سمعت عن علاقات البلاد الرسمية والدبلوماسية بكوريا، فإن المقصود بكل تأكيد الشطر الشمالي الشيوعي، إذ لم يكن لدمشق حينها أي علاقة بسول.
الآن، وبعد سنوات عديدة أعلنت سول ودمشق إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما لتصبح سوريا آخر دولة عضو في الأمم المتحدة تقيم علاقات مع كوريا الجنوبية، باستثناء بيونغ يانغ.
وفي زيارته لدمشق، ناقش وزير الخارجية الكوري الجنوبي جو تيه يول مع نظيره أسعد الشيباني إمكانية مشاركة شركات بلاده في جهود إعادة الإعمار، فضلا عن تقديم المساعدات الإنسانية لتشمل الأدوية والمعدات الطبية والأرز.
وكانت سوريا ترتبط بعلاقات جيدة مع كوريا الشمالية في ظل حكم بشار الأسد الذي أُطيح به بعد هجوم خاطف لفصائل مسلحة.
قبل العلاقات الدبلوماسية، كان بعض السوريين يتطلعون إلى ما تنتجه كوريا الجنوبية من مسلسلات وأغاني K-pop عبر الإنترنت ما دفعهم لتعلم لغتها ومعرفة ثقافتها بشقيها التقليدي والحديث، لكن عدم وجود مركز ثقافي حال دون ذلك.
رغم ذلك، هناك من قرر أن يقدم الثقافة الكورية بجهوده الذاتية ليجمع محبيها في العاصمة دمشق.
مرام الخطيب، فتاة سورية قررت أن تبدأ هذه الرحلة وتجمع محبي الموجة الكورية لتؤسس أكاديمية آرام قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية وتزداد آمالها اليوم بعد استئنافها.
فماذا قالت لبلينكس.. وكيف بدأت وإلى أين وصلت؟
اعرف أكثر
تروي مرام كيف بدأت قصتها عام 2007 من خلال متابعة قناة فضائية كانت منتشرة في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، وهي Korea TV التي كانت تعرض الدراما الكورية. وهذه المحطة فتحت عيناها على ثقافة ومجتمع لا يتم التركيز عليه في سوريا.
من الدراما بدأت متابعة فرق الكيبوب المتنوعة، خاصة فرقة Ateez، لكن الشغف امتد للثقافة الكورية بجوانبها المختلفة وعلى رأسها اللغة التي أحبت جمال أشكال حروفها المرسومة ونطقها.
هذا الشغف لم يكفيه مشاهدة التلفاز، لا سيما مع عدم توفر أي وسيلة في دمشق تدعم وتساعد الأشخاص الذين لديهم اهتمام بالمجتمعات الآسيوية خاصة المجتمع الكوري، فلا مراكز ثقافية ولا مدرسين للغة، ولا حتى منتجات كورية أخرى من ألوان الطعام والألعاب.
كانت الفرصة مطلع عام 2010، قبل الحرب في سوريا، إذ تعرفت مرام صدفةً على كوريين كانوا في دمشق بهدف دراسة اللغة العربية. في ذلك الوقت، كانت فئة صغيرة من الكوريين تستطيع القدوم إلى دمشق والدراسة في المعهد العالي للغات في جامعة دمشق.
وتقول مرام إنه "من هذه النقطة بدأت رحلتي في تعلم اللغة التي كان حجر أساسها أصدقائي الكوريين الذين قدموا لي يد العون في مسيرة تعلمي للغة وتطويرها وبهذا تبادلنا سوياً معرفتنا باللغة الكورية والعربية بالإضافة لتجربة التعرف على كلا الثقافتين معا".
اندلعت الحرب في سوريا في العام 2011، ورحل الأصدقاء الكوريون عائدون إلى بلادهم، وكان على مرام أن تستكمل دراستها بمفردها مستعينة بأشخاص خارج وطنها.
سنوات مرت حتى استعدت مرام أواخر عام 2015 لمشاركة ما اكتسبته من معرفة مع من يشاركونها ذات الاهتمام، لكن لا يستطيعون تحقيق أهدافهم في ظل الظروف القاسية التي واجهتها سوريا.
أكاديمية آرام، هو المشروع الذي بدأته مرام لتعليم الشباب السوري اللغات الآسيوية، ليس فقط الكورية، هادفة إلى نشر الثقافات واللغات الآسيوية في المجتمع السوري من خلال نشر معلومات لغوية وثقافية بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن مرام لم تكتفِ بذلك، فقدمت عبر أكاديميتها ورش عمل تفاعلية وترفيهية، إلى جانب اللغة الكورية تتمثل في الآتي:
ورشات تعريفية باللغة والثقافة الكورية
(كيفية نشأة اللغة واختلاف الثقافة وأهم مايميز كوريا الجنوبية من عادات وتقاليد)
ورش الطبخ الكوري
(نتعلم ونحاول تجربة المآكولات الكورية والآسيوية)
ورش الأفلام
(لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء بمشاهدة الأفلام الكورية)
ورش الألعاب الكورية
(لتعلم الألعاب الكورية التقليدية ونقضي الوقت في تحدي الأصدقاء )
ورش الكيبوب
(المليئة بأجواء الحماس من استماع وغناء أغاني الفرق المفضلة )
بعد إعلان العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الجنوبية وسوريا، فرحت مرام بالخبر الذي طال انتظاره بين ما تقول عنه " بلدي الأول "سوريا" وبلدي الثاني الذي أحبه "كوريا".
والآن، تأمل مرام منح الدعم لمحبي اللغة والثقافة وتقديم الوسائل التي تسمح بمتابعة ما بدأوه بالجهود الذاتية لتشهد انتشارا أوسع للثقافة واللغة الكورية من أجل "عيش التجربة التي خاضها جميع العالم قبلنا وتأخروا هم في خوضها".