التضخم في تركيا.. أزمة مستعصية "لا تستجيب للعلاج"

في أولى إطلالته الإعلامية بعد تعيينه محافظاً للبنك المركزي أكد كاراهان على السير بسياسة "التشديد النقدي".

وقال إن المسار سيظل كما هو "حتى يصل التضخم إلى مستويات متوافقة مع أهدافنا".

لم يطرأ أي تغيير على التوقعات المستقبلية، حيث ظلت أرقام نهاية 2024 عند 36 % وتوقعات نهاية 2025 عند 14 %، كما تحدث كاراهان.

ومن المتوقع حسب تقديراته أن يتراجع التضخم إلى مستويات في خانة الآحاد في عام 2026.

المحافظ الجديد أشار من جانب آخر إلى أن "التضخم سيصل ذروته في شهر مايو المقبل، على أن يبدأ بالتراجع في النصف الثاني من عام 2024".

وأضاف "من المتوقع أن ينخفض متوسط التضخم الشهري إلى نحو 1.5 % في الربع الأخير من العام الحالي".

خلافاً لما يطلق من تصريحات ووعود رسمية، كان لباحثين وخبراء اقتصاد وجهة نظر وقراءة مختلفة استعرضوها خلال حديثهم مع بلينكس.

يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر أن ارتفاع معدلات التضخم في تركيا دون استجابته للتشديد النقدي أمر طبيعي "لأننا نشهد انخفاضاً في القوة الشرائية وانخفاضاً في قيمة الليرة".

هناك سبب آخر وراء "عدم الاستجابة" ويتعلق بزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 %.

ويقول الناظر لبلينكس "الزيادة الكبيرة في الأجور دائماً ما تدفع معدلات التضخم للأعلى، كونها تزيد العرض النقدي بين الناس والطلب على السلع، وتفرمل عجلة الإنتاج".

ويرى أستاذ الإدارة المالية في جامعة باشاك شهير، فراس شعبو المشكلة بـ"غياب التوافق بين السياسة النقدية الممثّلة بأسعار الفائدة والسياسة المالية الممثّلة بالرواتب".

ويعتبر في حديثه لبلينكس أن "الفريق الاقتصادي يسير بسياسة معاكسة، ولذلك يتلاشى التأثير وتبقى معدلات التضخم كما هي".

كان القطاع الذي شهد أكبر ارتفاع شهري في الأسعار (بين يناير وديسمبر) هو الصحة وبنسبة 17.7 %.

السلع والخدمات المتنوعة زادت أيضاً بنسبة 10 %، وسجلت الفنادق والمقاهي والمطاعم أعلى زيادة على أساس سنوي خلال يناير بنسبة 92.27 %.

في حين شهدت الملابس والأحذية أدنى زيادة بنسبة 40.62 %.

يوضح الباحث الناظر أن آثار التشديد النقدي المتبع أو رفع الفائدة لها شقّان:

الأول: أن السياسة لا يظهر أثرها مباشرة على الأسواق، بينما الأخيرة بحاجة من عام إلى عام ونصف تقريباً حتى تلتمس تأثير الرفع الأول لأسعار الفائدة.

الثاني: يتعلق بأن أسعار الفائدة مازالت دون معدلات التضخم.

على أساس ذلك يشير الباحث إلى أن "العائد الحقيقي ما زال سلبياً على الليرة التركية" (العائد هو الفرق بين معدل الفائدة ومعدل التضخم).

ويقول "مع استمرار هذه الحالة فإن الأموال الساخنة والمستثمرين الأجانب لن يدخلوا إلى أدوات الدين الحكومي التركي وبالتالي لن تستقر الليرة".

الناظر يضيف أن "الأسواق التركية لن تعيش وتلاحظ الرفع الأول لسعر الفائدة إلا في شهر يونيو"، أي بعد الانتخابات المحلية.

وتحتاج حتى نهاية العام القادم حتى تشعر بتأثير رفع الفائدة إلى 45 %.

يعتقد أستاذ الإدارة المالية فراس شعبو أن تركيا مقبلة على "موجة تضخمية وحالة في الانفلات بالأسعار".

ويقول إن رفع أسعار الفائدة بمستويات عالية "سبب انكماشاً في الاستثمارات والعقارات".

"الصناعيون باتوا يعانون من مشاكل، وبدأنا نرى مستويات بطالة أعلى، وفي مقابل ذلك أصبح المنتج التركي غالياً وبتكلفة عالية"، وفق شعبو.

ويضيف "هذا ينذر بأنه لا يمكن حل المشكلة في الوقت القصير، وأضف على ذلك أن معدلات التضخم ما تزال أعلى من معدلات الفائدة".

وحتى تصل الفائدة إلى حد أعلى من معدل التضخم بحدود 5 % يمكن القول حينها إن "الأمور بدأت تستقر"، حسب حديث الناظر.

ويتوقع أن يكون هناك رفع إضافي في المرحلة المقبلة، وبعد تعيين كاراهان كرئيس جديد للمصرف المركزي.

في النصف الثاني من العام الحالي، قد يتباطأ وينخفض التضخم ليصل في نهايته إلى حوالي 40 %، حسب توقعات الباحث الناظر.

لكنه يؤكد أن "انخفاض معدلات التضخم لا يعني انخفاض الأسعار".

يطرح الباحث مثالا بقوله: "عبوة الماء كانت العام الماضي بسعر 5 ليرات تركية والآن 10. عندما ينخفض التضخم سينعكس ذلك على الوتيرة وليس السعر. بمعنى أن تزيد إلى 13 ليرة بدلا من 20".

ويضيف "يجب أن ينكمش الاقتصاد حتى تعود الأسعار إلى السابق بحيث يكون عرض السلع أعلى من الطلب كما يحصل في الصين".

ومع ذلك يرى الباحث الاقتصادي أن "السيناريو المذكور يبدو مستبعداً في تركيا في الوقت الحالي".

يضيف شعبو أن الحل يكمن بـ"تحقيق الموائمة ما بين الصادرات والواردات، وإعادة ضبط السياسات الإنفاقية".

كما يجب التركيز على الإنتاج وإنعاش النمو والناتج الإجمالي، ووقف عجلة رفع أسعار الفائدة كونها وصلت إلى مستويات قياسية.