دولار المسافرين في العراق.. نافذة للاحتيال وتهريب العملة

كشفت وثائق صادرة عن ديوان الرقابة المالية الاتحادي في العراق، عن تفاصيل تحقيق أجراه حول ملف فساد كبير في بيع المصارف للدولار إلى المواطنين الراغبين بالسفر خارج العراق.

الوثائق بيّنت أن ما يزيد على 151 ألف مواطن اشتروا العملة الأميركية لأغراض السفر، إلا أنهم لم يغادروا العراق، ليتم بيع ما تحصّلوا عليه في السوق الموازي.

وبحسب الديوان، فإن إجمالي المبلغ المتحقق من عملية "الاحتيال" تجاوز 600 مليون دولار تم شراؤها لأغراض السفر، لكنها ذهبت في الحقيقة إلى السوق الموازي لتحقيق أرباح بسبب فارق السعر، بين الرسمي الذي يتسلمه المواطن من المصارف والبالغ 1320 دينار للدولار الواحد، وبين سعره في السوق الموازي "السوداء" والبالغ نحو 1500 دينار للدولار الواحد.

التحقيق الذي أجراه ديوان الرقابة المالية يكشف عن أن "التدقيق على المبيعات النقدية للبنك المركزي العراقي من عملة الدولار للمسافرين خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2023 توصل إلى أن:

• عدد المسافرين بموجب المنصة الإلكترونية بلغ مليوناً و481 ألفا و186 مسافراً،
• أما عدد المسافرين الفعلي عبر المنافذ الحدودية بلغ مليوناً و329 ألفاً و246 مسافراً".
• الزيادة في عدد المسافرين النهائي المثبت في المنصة الإلكترونية بلغ 151 ألفاً و940 مسافرا.

ويبين أن "إجمالي المبلغ المصروف بلغ زيادة بحدود 607 ملايين و760 ألف دولار، الأمر الذي يؤشر بيع الدولار بالسعر الرسمي إلى الزبائن دون تحقق سفرهم، وبالتالي يتم الاستفادة من فرق السعر في السوق الموازي".

يقول علي محمد، 38 عاماً، أنه قرر وعائلته السفر إلى لبنان لأجل السياحة العام الماضي، بعد أن وجد إعلانا لشركة تحت عنوان "سافر ببلاش"، وهو ما أثار فضوله.

وبعد زيارة الشركة، أبلغه موظف أنه لن يدفع ديناراً واحداً وسيحصل على ثمن التذكرة والفندق مجاناً مقابل شراء الدولار، ومنحه لهم هو والأفراد البالغين في عائلته.

وبالفعل وافق محمد، لكن ما أثار استغرابه أنه حصل على المبلغ من مطار بغداد، وحال خروجه من مطار بيروت جاءه أشخاص غرباء في مركبات سوداء وفق الاتفاق مع صاحب الشركة في بغداد، وأخذوا منه المبلغ.

مراقبون لسوق الصرف لم يستغربوا مما تم كشفه، مؤكدين أن نافذة بيع الدولار للمسافرين تم استغلالها منذ اليوم الأول للحصول على الدولار ووصوله للدول والجهات المعاقبة.

بالإضافة إلى التربّح من فارق السعر بين السعر الرسمي والسوق الموازي والذي يصل هامش الربح فيه أحياناً لعشرين ألف دينار، 13 دولار لكل 100 دولار.

الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أكد أن ما تم الكشف عنه لا يمثل سوى 30% فقط من الواقع، وما يتم الحصول عليه من عملية بيع الدولار للمسافرين.

وأشار إلى أن هذا الدولار يذهب لتمويل التجار في السوق الموازي الذين لايستطيعون الحصول على الدولار، لتمويل تجارتهم من الدخول في منصة بيع العملة الرسمية، ولا سيّما الذين يستوردون بضائع من دول معاقبة مثل إيران، بينما تقوم شركات أخرى بالاستحواذ عليه بطريقة أو أخرى، ومنها الاحتيال والتزوير لأجل فرق العملة.

البنك المركزي العراقي كان قد كشف في فبراير الماضي، أنه سيطلق آلية خاصة ببيع الدولار تضمن وصولها إلى المسافرين الحقيقيين فقط، في سياق سد ثغرات تسرب العملة الصعبة إلى السوق الموازية أو تهريبها إلى الخارج.

وقال محافظ البنك علي العلاق في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية ، إن المركزي والحكومة "يعطيان أولوية كبيرة لموضوع الدفع الإلكتروني لما له من انعكاسات اقتصادية مهمة والارتقاء بمستوى المعاملات بعيداً عن الاستخدام المفرط للنقد".

ولم يحدد العلّاق بدقة موعد إطلاق الآلية الجديدة.

ويحق لكل عراقي يرغب بالسفر الحصول على مبلغ قدره 3000 دولار بالسعر الرسمي 1320 دينار للدولار الواحد من المصارف، وشركات الصيرفة المخوّلة من البنك المركزي.

لكن الكثير من العراقيين اشتكوا من عدم امكانية الحصول على تلك الحصة لاستيلاء بعض تلك المصارف والشركات عليها، ومنحها لأشخاص تابعين لهم أو ترويج معاملات لعراقيين دون علمهم للاستفادة من فارق السعر.

المواطنة آلاء علاء، ٣٣ عاماً، تقول إنها ذهبت مؤخراً لحجز الدولار من المصرف لأجل سفرها، لكنها تفاجأت عندما أبلغها الموظف أنه لا يحق لها الحصول كونها حصلت مؤخراً على مبلغ السفر، ولم يمض شهر على ذلك، وهو ممنوع وفق شروط البنك المركزي والتي تتيح لكل مسافر الحصول على حصة الدولار لأجل السفر مرة واحدة في الشهر.