اقتصاد الكاش.. 10 مليارات تحول لبنان لـ"دولة مشبوهة"

التعريفات حول "اقتصاد الكاش" عديدة، لكنها جميعا تصب في خانة واحدة وهي مساهمته في "غياب دور المصارف".

كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، شرح معنى"قتصاد الكاش" لبلينكس قائلاً إنه ينص على أن التعاملات المالية تتم نقدا من دون المرور بالمؤسسات المصرفية.

بدورها، تقول الخبيرة الإقتصادية والمالية ليال منصور لبلينكس إن "اقتصاد الكاش" هو آلية لتسديد الأموال نقدا في السوق، وسط عدم استخدام البطاقات أو الشيكات المصرفية، مشيرة إلى أن الأموال التي تدفع في ظل هذا الاقتصاد لا تكون معروفة المصدر.

أما سبب تفاقم هذا الاقتصاد فمرده، بحسب منصور وغبريل، هو تراجع دور المؤسسات المصرفية وتوجه المواطنين لعدم التعامل معها بسبب أزمة احتجاز الودائع التي بدأت عام 2019.

قياس "اقتصاد الكاش" في لبنان يتم عبر معرفة حجمه ضمن الناتج المحلي الإجمالي للبلد، وقد تبين التالي:

• تقديرات البنك الدولي تقول إن الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بلغ في العام 2021 نحو 23 مليار دولار، بينما انخفض في العام 2022 إلى 21.78 مليار دولار، فيما وصل عام 2023 إلى 18 مليار دولار.
• عام 2021، كان يُقدر "اقتصاد الكاش" بـ6 مليار دولار، أي ما يعادل 26% من النتاج المحلي الإجمالي الاسمي.
• عام 2022، كان يُقدّر بـ9.9 مليار دولار بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، أي ما يعادل الـ 46% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

بدورها، ترى الخبيرة الاقتصادية والمالية ليال منصور أن حجم "اقتصاد الكاش" يتجاوز حاليا نسبة الـ46% المذكورة، ومن المتوقع أن يكون قد سيطر على نسبة 50% وأكثر من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعتبر منصور أن ارتباط 9.9 مليار دولار بـ"اقتصاد الكاش" يعتبر ضربة مالية كبيرة لاقتصاد لبنان، خصوصاً أن هذه الأموال منخرطة في حركة غير مضبوطة ضمن السوق.

بحسب الخبيرة المالية، فإن هذا الرقم يجب أن يكون أدنى بكثير من الحالي كي يُنظر بإيجابية إلى لبنان من قبل المؤسسات المالية الدولية، لكن تفاقمه "يعني أننا بتنا في مرحلة الخطر، وبسببه قد يصبح لبنان دولة مشبوهة ماليا" وفق منصور.

فعليا، يعد الاقتصاد النقدي بوابة أساسية لمخاطر كبيرة، منها تمويل الإرهاب.

بالنسبة لمنصور، فإن "اقتصاد الكاش" يساهم بتفاقم تمويل العصابات الإجرامية عبر لبنان، فمرور الأموال عبره من دون التأكد من مصادرها يفتح شهية التنظيمات المسلحة على استخدامه كممر ومقر لأموالها.

توضح منصور أن دولا عديدة من بينها الولايات المتحدة، حذّرت لبنان خلال الفترة الأخيرة من مغبة عدم ضبط العمليات المالية غير المشروعة، بما في ذلك أعمال الصرافة غير الشرعية والتحويلات غير الخاضعة للترخيص.

الخبيرة توضح أيضاً أن "اقتصاد الكاش" يفاقم التزوير بسبب بروز الدولرة بشكل كبير داخل البلاد، وتضيف "كل شيء في لبنان بات يدفع بالدولار وبشكل نقدي. هنا، وبسبب عدم وجود ضوابط تؤكد مصادر الأموال أو حقيقتها، فإنه من السهل جدا دخول أوراق نقدية مزورة إلى السوق".

لهذا السبب، يقول الخبير المالي نسيب غبريل، إن معظم الدول وضعت حدا لـ"الكاش" مثل فرنسا والإتحاد الأوروبي نظرا لمخاطر ذلك ماليا واقتصاديا، مشيرا إلى أنه في ظل "اقتصاد الكاش" يصعب تثبيت مصادر الأموال والتحقق منها.

بالنسبة لغبريل ومنصور، فإن تقليص حجم "اقتصاد الكاش" في لبنان يبدأ من خلال التالي:

• تفعيل دور المؤسسات المصرفية واعتماد وسائل الدفع عبرها، ويقول غبريل إن المصارف تشجع على استخدام المواطنين لبطاقات الائتمان لتسديد الأموال.
• السماح للمواطنين والشركات بإجراء تحويلات مالية من حساباتهم عبر المصارف مع عدم اللجوء إلى الدفع النقدي.
• تفعيل دور القطاع المصرفي وتأمين السيولة له كي يؤمن القروض المالية للمواطنين، وبالتالي السماح بنشوء حركة إقتصادية عبر أموال معروفة المصدر.
• الإتيان بمصارف أجنبية إلى لبنان تساهم في إرساء الثقة مجددا بالقطاع المصرفي وتؤسس لحركة مالية جديدة.
• إعادة تفعيل العمل بـ"الشيكات المصرفية" وخلق حركة مالية عبرها من خلال المصارف.
• تأمين خدمات للشركات عبر المصارف تسمح لها بالعودة إلى العمل معها والتخلص من الاقتصاد النقدي.
• تعقب مصادر الأموال النقدية وتطبيق القوانين التي تكفل التأكد من مشروعية المال.
• تفعيل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

بحسب منصور، فإن أغلب المعطيات تشير إلى أن لبنان بلد لا يحظى بالثقة المالية، معتبرة أن إدراجه على اللائحة الرمادية وارد إلى حد كبير أواخر مايو الجاري.

تعتبر منصور أن تلك الخطوة ستؤدي إلى مشكلة كبيرة، أبرزها لجوء مصارف مراسلة إلى عدم التعامل مع لبنان خلال المرحلة المقبلة، محذرة من دخول التحويلات المالية إلى لبنان في أزمة كبرى.

لكن هل سعى لبنان إلى التخلص من اقتصاد الكاش؟ بالنسبة لمنصور، فإن لبنان ما زال في الدائرة الحمراء، فالإجراءات التي اعتمدها للسيطرة على النوع الاقتصادي المذكور محدودة جدا ولا تُذكر.

بدوره، يقول غبريل، إن هناك إمكانية للسيطرة على "اقتصاد الكاش" في لبنان، فالأمر ليس صعبا ويحتاج إلى قرارات داخلية.

أبرز الخطوات الإيجابية، بحسب غبريل، هي أن الدولة سمحت بتقاضي ضرائبها من المؤسسات الكبرى بالليرة اللبنانية عبر التحويلات المصرفية، كما أن هناك شركات أعادت فتح حسابات بـ"الفريش دولار" لدى المصارف لإجراء تحويلات مالية عبرها.

يلفت غبريل إلى أن هناك تقديرات تقول إن لدى المصارف 225 ألف حساب بالدولار، فيما مجموع الأموال المودعة ضمن هذه الحسابات تقارب الـ2 مليار و 700 مليون دولار.

الخبير المالي يعتبر أن هذا الرقم غير صغير في ظل الأزمة التي يعيشها لبنان، ما يعني أن هناك إمكانية للتعافي وتعزيز دور القطاع المصرفي.