سيول السودان تلتهم "شجرة سمير المقدسة"

مطلع أغسطس الجاري شهد شمال وشرق السودان أمطارا غزيرة صاحبتها سيول جارفة في حدث نادر. ففي هذا التوقيت يبدأ النخيل في الإنتاج على أن يُحصد منتصف سبتمبر إلى أكتوبر، لذلك فإن سقوط المياه على "السبيطة" وهي تحمل التمر، يؤدي إلى تلفها بالكامل.

تبللت أشجار النخيل في مزرعة سمير باكاب بمياه الأمطار، بينما تتدفق السيول من تحتها، وبدأت "سبايط" التمور تتساقط على الأرض، ما ينذر بفشل موسم حصاد البلح، ليتملكه حزن كبير وفق ما يرويه لبلينكس.

يحكي باكاب: "النخيل ليس مجرد مصدر رزق أقتات منه معاشي، لكنه شجرة مقدسة نرتبط بها روحيا ووجدانيا، نستمتع بخضرتها، نغني ونرقص عندما نشاهدها تتمايل مع الرياح، وهي مليئة بالتمر والرطب".

يغيب الصوت الذي يصدره النخيل مع قرب موسم الحصاد إيذانا بنضج التمور، وهي من أكثر الأصوات التي تضرب مسامع المزارعين، ولا يدري باكاب حجم الخسائر المالية جراء السيول والتي يقدرها بفقدان نحو 50% من الإيرادات المتوقعة، لكن بالنسبة له الضرر الأعظم هو معنوي.

يقول صهيب كرمة، وهو أحد سكان الولاية الشمالية وتمتلك عائلته مزارع نخيل هناك، "يرتبط الحديث عن فصل الخريف شمال السودان بأضراره على ثمار النخيل، في الفترة الممتدة من مطلع يوليو إلى نهاية أغسطس، وهي أيام تحوّل وتطوير نضج الثمار، لكنها تشهد هطول أمطار باتت أكثر غزارة خلال الأعوام الـ5 الأخيرة".

يشرح كرمة في حديثه إلى بلينكس "هذه الأمطار لا تؤثر على النخلة كشجرة، وإنما تأثيرها على الثمار بالغ، وكذلك السيول تأثيرها لا يتجاوز جِزع النخلة، إلا إن كانت في مجرى السيل الذي يجرف التربة ويقتل النخلة".

ويلاحظ كرمة، أنه خلال شهري يوليو وأغسطس ترتفع درجات حرارة الشمس وتنخفض الرطوبة الجوية عادةً، إلا أن الأعوام الخمسة الأخيرة ارتفعت نسبة هطول الأمطار بصورة كبيرة مع زيادة الرطوبة، وانخفاض حرارة الشمس، وهو ما يؤثر سلباً على جودة المحصول والإنتاج عموماً.

وبحسب توقعات وتحذيرات هيئة الأرصاد الجوية السودانية، فإن مناطق الشمال بدأت تشهد تحولا مناخيا، وهو ما دعا كرمة إلى إعادة النظر في زراعة النخيل وتبديلها بالموالح، أو زراعة أنواع من التمور تنضج قبل أوقات هطول الأمطار، مثل تمور "البرحي والمدينة والمُشرق وسلالاتها المختلفة" لتجاوز الخسائر.

ويوضح صاحب مزارع النخيل أن معظم الأسر في الشمال تعتمد كلياً في المعيشة على إنتاج التمور، التي تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد القومي، بمعدلات إنتاج تزيد على 400 ألف طن سنويا.

يوضح المهندس الزراعي زكريا مسند، أن الولاية الشمالية من أكثر الولايات إنتاجا للتمور بأنواعها المختلفة من جافة ورطبة، وما ساعد على ذلك هو المناخ الجاف الذي يسود المنطقة، حيث البيئة المحفزة للإنتاج.

"لكن لوحظ في الآونة الأخيرة، وتحديدا بعد قيام سد مروي لتوليد الكهرباء في العام 2009، تغير المناخ وأصبحت الولاية الشمالية ممطرة بعكس السنوات الماضية، رغم أنها لم تكن مدمرة للمحصول بشكل كامل"، وفق تصريحه لبلينكس.

ويوضح مسند أن تلك الأمطار تسببت في أضرار كبيرة في محصول البلح، وذلك لأن هذه الثمرة في تلك المرحلة "تكون في طور ما يسمى بالرطب أو العجوة بحيث لم تجف بعد" وعند تساقط الأمطار لا تتصرف من سبيط النخل، مما يتسبب في تلفها.