بخلاف العاصمة الفرنسية، تملك لندن 7 أندية في الدوري الانكليزي (بريميرليغ)، فيما تزخر المدن الكبرى الأخرى في أوروبا كمدريد وميلانو وروما وبرشلونة وأثينا بالعديد من الأندية في دوري النخبة، لكن هذا الأمر قد يتبدّل في وقت قريب بفضل عائلة أرنو، التي تعد إحدى أكثر العائلات ثراء في العالم.
ويملك برنارد أرنو، مؤسس مجموعة "إل في إم إتش"، وهي شركة السلع الفاخرة المالكة لعلامات تجارية للأزياء مثل ديور ولوي فويتون وشمبانيا "مويت وشاندون"، المال والقوة التسويقية اللازمة لـ"تحريك الجبال"، وقد تنافس بشدة خلال الأعوام الـ5 الأخيرة مع الأميركي إيلون ماسك على لقب أغنى رجل في العالم، حسب مجلة "فوربس".
ورغم تراجع قطاع السلع الفاخرة في الفترة الأخيرة، فإن أرنو بقي عنوانا للثراء، بثروة تقدر بـ190 مليار دولار أميركي، وقد بدأ في طرق مجال كرة القدم عندما اشترت عائلته حصة أغلبية في نادي "باريس إف سي"، وسط أحلام بتحويله إلى قوة لا يُستهان بها.
وتملك عائلة أرنو قدرات مادية كبيرة لمضاهاة ما فعله صندوق الاستثمارات القطرية في باريس سان جيرمان، لكنها تصر على أنها لن تعتمد النهج عينه، وهو ما شدد عليه أنطوان النجل الأكبر لأرنو، قائلا "نحن لا نميل إلى صرف أموالنا بشكل عشوائي".
ولم يكن وصول العائلة إلى نادي باريس مخططا له، وفقا للمطلعين على الملف، لكن ذلك حدث عندما أبلغ أنطوان أن بيار فيراتشي يسعى إلى بيع أسهم في النادي، وصرّح مصدر مطلع على عملية الاستحواذ لوكالة "فرانس برس" قائلا: "هكذا تلاقت المسارات بشكل غير متوقع".
في المقابل، استحوذت ريد بول على 11% من الأسهم، حيث تعد الشركة النمساوية العملاقة لمشروبات الطاقة لاعبا رئيسا في كرة القدم من خلال استحواذها على أندية عدة مثل لايبزيغ الألماني، وريد بول سالزبورغ النمساوي، ونيويورك ريد بولز الأميركي.
لكن تجربة باريس إف سي مع أرنو تصطدم بتجارب فاشلة في الماضي، فقد سبق لأثرياء أن حاولوا كسر هيمنة باريس سان جيرمان على العاصمة الفرنسية وفشلوا، وفقا لـ"فرانس برس".
ففي ثمانينيات القرن الماضي، استحوذت مجموعة ماترا، المملوكة لرجل الأعمال جان لوك لاغاردير، على نادي راسينغ كلوب، بطل فرنسا لمرة يتيمة في 1936، ونقلته من الضواحي إلى ملعب حديقة الأمراء، إلا أنه فشل في ترسيخ مكانته في دوري الأضواء.
ورأى ويليامز، مؤلف كتاب "فا فا فوم.. تاريخ حديث لكرة القدم الفرنسية"، أن "لاغاردير كانت لديه طموحات ضخمة، لكنه أراد الكثير، وفي وقت قصير للغاية.. صرف الأموال في النادي جلب له بريقا ونجاحا قصير الأمد، لكنه لم يكن مستداما، إلى جانب الفشل في جذب قاعدة جماهيرية مخلصة، مما أدى في النهاية إلى زوال النادي".
بينما ظهرت تجربة أخرى من الطريق الدائري الذي يفصل باريس عن ضواحيها، تمثلت في نادي ريد ستار في سانت أوين، والذي يتبع المنطقة التي كانت موطن سوق السلع المستعملة الشهيرة، والتي تتمتع بقاعدة يسارية مخلصة وعصرية على النمط ذاته الذي يسير عليه فريق سانت باولي في ألمانيا.
وفاز النادي بكأس فرنسا 5 مرات بين عامي 1921 و1942، لكنه يقاتل حاليا للبقاء في الدرجة الثانية، في الوقت الذي يحلم فيه بالعودة يوما ما إلى دوري الأضواء الذي مضى على غيابه عنه نحو نصف قرن.
ويمثل ريد ستار مقاطعة سان دوني التي يطلق عليها "الرقم 93" نسبة لرمزها البريدي، والمعروفة بأعدادها الكبيرة من المهاجرين والفقر وحبها لكرة القدم، لكن النادي بات في الآونة الأخيرة محط سخرية من مشجعي باريس إف سي بسبب الأعداد المتزايدة من جماهيره الـ"بوبو"، وهي كلمة عامية فرنسية تشير للبوهيميين البرجوازيين من داخل باريس الذين يواكبون فريقهم في المدرجات.
وقالت بولين غامير، التي تشغل منصب المديرة العامة في ريد ستار، لوكالة "فرانس برس": "نحن نادي الفنانين والعمال والشباب وكبار السن، وهذا ما يميزنا.. نحن نادٍ متعدد الثقافات.. هنا أحد أكبر الأندية في فرنسا.. لقد حققنا إنجازات، وهناك هوية وشعور بالانتماء".
لكن رغم خطابهم الرومانسي والداعي إلى المساواة، فإن مشجعي ريد ستار ليسوا قادرين على إبداء أي رأي أو موقف في كيفية إدارة النادي، حيث يبدي الكثيرون منهم عدم رضاهم الشديد عن مالكيه، حيث أثار استحواذ "مجموعة 777 بارتنرز الأميركية" انتقادات من الزعيم اليساري جان لوك ميلانشون، وبعدما عجزت عن سداد دين لشركة إيه كاب، تولى صندوق التقاعد إدارة ريد ستار.
وأقرّت غامير ردا على معارضة الجماهير لإدارة النادي: "يمكننا جميعا أن نكون مثاليين إلى حد ما، لكن هناك أيضا الواقع الاقتصادي"، مؤكدة أن ريد ستار قادر على أن يصبح "ناديا كبيرا في الدوري الفرنسي"، مما يمكنه من خوض الديربي بمواجهة أرستقراطيي باريس سان جرمان. لكن في الوقت الحالي لا يوجد منقذ في الأفق.