التوحّد في تونس.. 200 ألف طفل عرضة لإهمال وانتهاكات

تسعى السلطات في تونس لإدماج الأطفال المصابين بالتوحد، أو بطيف التوحد ضمن مؤسسات الطفولة المبكّرة، أو المدارس الابتدائية الرسمية، وفقاً لما تقتضيه الحالة الصحيّة لكل طفل.

في المقابل، تؤكد وزيرة المرأة والطفولة آمال بلحاج موسى، أن وزارتها لا تملك رقماً دقيقاً حول أعدادهم.

أما الجمعيات التي تنشط في هذا المجال، فتقول إنه يوجد في تونس حوالي 200 ألف طفل مصاب بالتوحد، وهو رقم مفزع إذا ما نظرنا إلى الأرقام العالمية التي توضح أن طفلاً واحداً من بين كل 54 طفلًا يصاب باضطراب طيف التوحد.

أما بخصوص خطوات تونس المتثاقلة في اتجاه مرافقة ودعم هذه الفئة التي تتنامى سنوياً، فقد خصصت اعتمادات مادية لـ300 طفل فقط لتتكفل الدولة بتعليمهم ما قبل المرحلة الابتدائية.

في هذا الإطار، تقول ألفة، والدة طفل مصاب بالتوحّد، إن كلفة الاهتمام بابنها تناهز 1500 دينار، حوالي 500 دولار شهرياً، لأن حالة طفل التوحّد تستوجب مساعِدة ترافقه بالمدرسة، إلى جانب حصص لتقويم الحركة والنطق والإدماج ومصاريف الأخصائي النفسي.

لكن الدولة تخصص منحة قيمتها 200 دينار، 60 دولاراً لا غير، للعائلات التي تضم من بين أفرادها طفلاً مصاباً بالتوحّد.

وتضيف ألفة، أنها اضطرت للاستقالة من عملها كمهندسة للعناية بابنها بعد أن شعرت بالندم لتخليها عنه في بداية اكتشاف حالته، فخسرت بذلك العائلة مورداً هاماً واضطر زوجها للعمل بدوام إضافي لتغطية المصاريف.

في العام 2018، اهتزّت تونس على وقع تسريب مقطع فيديو يظهر اعتداء "مربيات" على مجموعة من الأطفال المصابين بطيف التوحد في مركز مخصص لهم بأحد ضواحي العاصمة، ولم تهدأ العاصفة إلا بسجن مربيتين والمديرة بتهمة التعذيب.

آمنة حاجي مديرة مركز "حليم" المختص في رعاية أطفال التوحد، كشفت أن الدولة لا توفّر أي مركز لهؤلاء الأطفال، وأن كل المؤسسات التي تضمهم في تونس، هي خاصة وملك أفراد قرروا خوض تجربة العمل في هذا المجال، لأنهم من آباء وأمهات أطفال مصابين بالتوحّد.

وتقول حاجي إن السلطات التونسية دشنّت في عام 2019 مركزاً بأحد ضواحي العاصمة لم يفتح أبوابه إلى اليوم، ولا يُعرف سبب عدم دخوله حيز الاستخدام رغم أنه مجهّز لاستقبال عشرات الأطفال، لكن السلطات خيّرت في المقابل توجهيهم إلى مراكز لذوي الإعاقة الذهنية، مما أدى إلى تأخر مكاسبهم الحسية والذهنية.

وتشير حاجي إلى أن مركزها "حليم" استقبل العديد من ضحايا هذه المؤسسات الحكومية الذين فقدوا بعض مهاراتهم، بسبب سوء نوعية الاهتمام بهم.

رغم أن الصورة ليست بتلك القتامة التي كانت عليها قبل عشر سنوات بالنسبة لألفة التي تخلّت في البداية عن طفلها المختلف، فهو اليوم أحد أبطال مسرحيات زهير بن تراديت، صاحب مشروع "إدماج الأطفال ذوي طيف التوحّد"، الفائز بالجائزة الوطنية لحقوق الطفل عام 2021.

تراديت دكتور وجامعي تونسي أخرج أعمالاً مسرحية أبطالها من المختلفين، لإيمانه بضرورة دخول عوالم الأطفال المصابين بالتوحّد، واستكشاف دواخلهم لمساعدتهم على التعبير عن أنفسهم من خلال المسرح والغناء والفن إجمالاً.

أما ابن ألفة فهو نجم كل أعمال تراديت، ضمن هذا المشروع الاجتماعي والإنساني، وقد شارك في عدد من أعماله المسرحية، مثل "هيّا نقطف ثمرة" و"هيّا نعبر جسراً" و "هيّا نحلّق عالياً".