تتكلم وأنت نائم؟.. العلم يكشف أسرار لغة لا يتذكرها الدماغ
لا يعرف الكثيرون أنهم يتحدثون أثناء نومهم، لكن التقديرات تشير إلى أن ما بين 3 و30% من البشر يتكلمون أثناء النوم بشكل معتاد، وأن 65% من الناس تحدثوا أثناء نومهم مرة واحدة على الأقل في حياتهم.
ويقول علماء النفس إن هذه الظاهرة أكثر شيوعاً لدى الأطفال، لكنها قد تستمر حتى مرحلة النضج.
ويؤكد الباحث لويجي دي جينارو أخصائي علم النفس بجامعة سابينزا في روما أن التحدث أثناء النوم يعد من "أكثر سلوكيات النوم شيوعاً".
ويوضح في تصريحات لموقع بوبيولار ساينس أن الحديث أثناء النوم يتراوح بين همهمات غير مفهومة وسباب واضح، وأن أغلبية الناس لا يدركون الأمر إلا إذا أخبرهم الآخرون. ويضيف أن الإنسان يفقد الذاكرة تماماً حيال هذه الظاهرة ولا يعرف مطلقاً فحوى ما يقوله.
في المقابل، أجرت الباحثة ديدري باريت من جامعة هارفارد سلسلة تحليلات لتسجيلات آلاف البشر وهم يتكلمون أثناء نومهم، وقارنتها بما يروونه عن أحلامهم. ووجدت اختلافات ملموسة، إذ عبّر الكلام أثناء النوم عن انفعالات سلبية وغضب وإشارات إلى الطعام والجنس أكثر من الحديث أثناء اليقظة أو الأحلام.
ما أكثر الكلمات تكرارا أثناء النوم؟
وأظهرت البيانات أن النائمين ينطقون بألفاظ نابية أكثر بست مرات مقارنة بحديثهم وهم مستيقظون. وفي دراسة نشرتها مجلة Sleep عام 2017 على 232 شخصاً أكدت أن كلمة "لا" هي الأكثر شيوعاً أثناء النوم، وأن عبارات النفي تمثل 21% من الكلام، فيما شكّلت الأسئلة أكثر من ربع ما يُقال، بينما بلغت نسبة الألفاظ النابية حوالي 10%.
ويشير الباحثون إلى أن الكلام قد يظهر في جميع مراحل النوم، بما في ذلك مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM) التي تحدث فيها الأحلام، لكن معظم الحالات تقع في مراحل نوم حركة العين غير السريعة (Non-REM).
وتوضح الباحثة جينغ تشانغ من كلية الطب بجامعة هارفارد أن الكلام في مرحلة Non-REM يكون أقصر وأقل وضوحاً، بينما يكون في REM أطول وأسهل للفهم. دراسة عام 2021 أظهرت أن بعض الأشخاص يمكنهم الرد على أسئلة مسموعة بل وخوض محادثة وهم في مرحلة REM.
كما رُصدت حالات نادرة تبادل فيها شخصان الحديث أثناء النوم.
وأثناء قياس النشاط العقلي لأشخاص يتحدثون في نومهم أو يضحكون أو يئنون، لاحظ دي جينارو وزملاؤه أن نشاط مناطق معينة في المخ يشبه النشاط أثناء اليقظة. كما تبين أن الموجات العصبية الخاصة بالنوم العميق تتغير أثناء الكلام لتقترب من شكلها خلال الاستيقاظ، ما يشير إلى وجود صلة بين الكلام أثناء النوم والحديث الواعي.
وتوضح تشانغ أن البشر غالباً يغمغمون عند الانتقال بين النوم واليقظة، حين تكون بعض مناطق الدماغ نشطة وأخرى خامدة. وبما أن الظاهرة تحدث على أطراف مراحل النوم، فإن من يعانون اضطرابات نوم أو توتر أو حرمان من النوم أو يتناولون الكحوليات أكثر عرضة لها.
وترى باريت أن الكلام أثناء النوم ناجم عن "خلل" في الانتقال بين مراحل النوم، وقد يقترن باضطرابات مثل السير أثناء النوم أو نوبات الذعر الليلي. كما أن العوامل الوراثية قد تزيد احتمالية التعرض لهذه المشكلات. لكن العلماء يؤكدون أن الكلام أثناء النوم غالباً لا يستدعي القلق، باستثناء الحالات التي تسبب إزعاجاً للشخص أو المحيطين به.
وفي الغالب يعتبر هذا السلوك جزءاً من أنماط النوم الطبيعية، وقد يختفي تدريجياً مع استقرار النوم والراحة في مراحل لاحقة من الحياة.