حين يُطفئ الشتاء ضوءك.. ماذا نفعل أمام اكتئاب المواسم؟
بالنسبة لملايين الأشخاص، فإن الأيام الأقصر والأكثر ظلمة التي تسبق فصل الشتاء، تنذر أيضا بتدهور حالة المزاج والدخول في دوامة الاكتئاب.
وتعرف هذه الحالة بالاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)، وهو نوع من الاكتئاب الموسمي يبدأ عادة في الخريف أو الشتاء ويتسم بانخفاض المزاج، والخمول، وفقدان المتعة، والنعاس المفرط، ويؤثر على ما يقدر بنحو 5% من الأميركيين، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
ويربط أطباء النفس هذا بأشكال عدم التوافق ما بين إيقاعات الساعة البيولوجية والمنبهات الخارجية مثل توقيت النوم والاستيقاظ.
يقول نورمان روزنتال، الطبيب النفسي في كلية الطب بجامعة جورج تاون، فهو مع زملائه، أول من وصف هذا الاضطراب وأطلق عليه هذا الاسم في عام 1984، "إذا كنت من بين هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بهذا الاضطراب بشدة، فأنت لست وحدك، وهناك الكثير مما يمكنك فعله حيال ذلك".
وبعد بحثه وتجربته الشخصية، وضع روزنتال نظرية مفادها وجود صلة بين الضوء وسبب انخفاض مزاج بعض الأشخاص مثله في فصل الشتاء.
حاليا يستخدم الطبيب النفسي الإضاءة في منزله للمساعدة في التغلب على الاضطراب العاطفي الموسمي. فماذا نعرف عن هذا الاضطراب وعن عقود من التجارب لروزنتال ساهمت واشنطن بوست بتتبعها؟
بين شمس جنوب أفريقيا وضباب نيويورك
يتذكر روزنتال سفره من جنوب إفريقيا إلى الولايات المتحدة في عام 1976 للتدريب الطبي، وكيف عانى كثيرا في السنوات الـ٣ الأولى من فترة إقامته في نيويورك. تشتهر جنوب إفريقيا بأشعة الشمس الساطعة، حيث تتمتع عادةً بساعات طويلة من الضوء الساطع كل يوم، حتى في الشتاء. أما مدينة نيويورك؟ فالوضع مختلف تمامًا.
عند مغادرته العمل في مستشفى كولومبيا بريسبيتيريان، كان برد الشتاء وظلامه فوق نهر هدسون يؤثران عليه بشدة، خاصة بعد انتهاء التوقيت الصيفي في نوفمبر.
بعد انتقاله إلى المعهد الوطني للصحة العقلية في بيثيسدا بولاية ماريلاند لدراسة الإيقاعات البيولوجية والمزاج، بدأ يسمع عن أشخاص آخرين يعانون من أعراض مشابهة لأعراضه.
هذه الحالات الأخرى، بالإضافة إلى بحثه وتجربته الشخصية، دفعت روزنتال إلى وضع نظرية مفادها وجود صلة بين الضوء وسبب انخفاض مزاج بعض الأشخاص مثله في فصل الشتاء.
ولعبت صحيفة واشنطن بوست دورا في مساعدة روزنتال وزملائه على جمع المزيد من الأدلة والبيانات. فقد نُشر مقال عام 1981 عن أعمال روزنتال المبكرة، وتلقى أكثر من 3 آلاف رسالة من قراء من جميع أنحاء البلاد يتحدثون فيها عن تجاربهم الخاصة. أرسل الباحثون استبيانات إلى هؤلاء القراء حول شعورهم مع قصر الأيام وازدياد الظلام، وكانت إجاباتهم متشابهة: "أشعر بالتعب"، "آكل أكثر"، "أنام أكثر"، "أشتهي الحلويات والنشويات"، "أشعر بالاكتئاب".
قال روزنتال: "قبل ذلك، لم يكن هناك أي إدراك لوجود هذا الاضطراب، وأن هذا الاضطراب يمكن أن يكون له نوع خاص من العلاج قد يكون مفيدا له".
منذ ذلك الحين، عالج روزنتال، البالغ من العمر 75 عاما الآن، أكثر من ألف مريض مصاب بالاضطراب العاطفي الموسمي على مدار فصول شتاء متعددة.
يعتقد الباحثون وبينهم روزنتال، أن الاضطراب العاطفي الموسمي الشتوي ناتج عن انخفاض ضوء النهار، مما قد يؤدي إلى عدم تزامن إيقاعنا اليومي الداخلي مع دورات الضوء الطبيعية في الخارج.
في الوقت نفسه، يعتبر الضوء منشطا ومحسّنا للمزاج، حيث تتصل المستقبلات الضوئية المتخصصة في شبكية العين مباشرة بالمناطق المرتبطة بالمزاج في الدماغ. كما تظهر الأبحاث أن الناس يعانون أيضا من تغيرات موسمية في النواقل العصبية المرتبطة بالمزاج مثل السيروتونين والدوبامين.
ولمكافحة الظلام، يكمن الحل في توفير المزيد من الضوء حيثما يكون ناقصا.
والعلاج القياسي للاضطراب العاطفي الموسمي هو العلاج بالضوء الساطع باستخدام صندوق ضوئي يوفر ما لا يقل عن 10000 لوكس من الضوء. (عادةً ما تكون أضواء الأماكن المغلقة العادية أقل من 1000 لوكس، بينما يمكن أن يصل ضوء الشمس المباشر إلى حوالي 100000 لوكس.)
تظهر الأبحاث أن العلاج بالضوء فعال في تحسين المزاج وتقليل أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي لدى نحو 64٪ من المرضى، وفقا لدراسة أجريت عام 2015.
وتُعد الأضواء جزءا لا يتجزأ من العادات الأخرى التي تبناها روزنتال في أسلوب حياته، فهو يمتلك إضاءة إضافية في كلّ غرفة تقريبا من منزله لمساعدته على بدء يومه.
"عندما أستيقظ في الصباح، غالبا ما يكون أول شيء أفعله هو فتح الستائر لأستمتع بأشعة الشمس الصباحية الأولى. إنها لحظة رائعة للتأمل واليقظة الذهنية. إنها فرصة جيدة لأقول: يا إلهي، انظر إلى هذا: ها هو الضوء. أنا ممتن. أنا حاضر. أنا هنا"، هذا ما قاله روزنتال، الذي ساهم في تطوير العلاج بالضوء كعلاج للاضطراب العاطفي الموسمي.
كيفية الاستعداد للأيام المظلمة
ينصح روزنتال، مؤلف كتاب "التغلب على الاكتئاب الموسمي: دليل للصحة والسعادة في جميع الفصول" بالانتباه إلى تغير المزاج مع بدء الخريف وإجراء مقارنة مع حالة المزاج في مثل هذا الوقت من العام الماضي.
وبحسب الأبحاث فإن أعراض الاكتئاب الموسمي تميل إلى بلوغ ذروتها في شهري يناير وفبراير، إلا أن بداية ظهورها تختلف من شخص لآخر.
ووفق تقرير واشنطن بوست فإن النساء أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بأربعة أضعاف. ويُعتقد أن عددًا أكبر بكثير من الناس يعانون من نسخة أخف من هذا الاضطراب، تُعرف باسم "كآبة الشتاء".
دراسات أخرى أظهرت أنه يُوصى عادةً بالعلاج بالضوء في الصباح الباكر، لأنه الوقت الأكثر فعالية لتغيير الإيقاعات البيولوجية لتتوافق مع البيئة المحيطة.
مع ذلك، يمكن أن يكون استخدام العلاج بالضوء قرب نهاية اليوم فعالًا أيضًا حتى لا تشعر "بمفاجأة" حلول ظلام الشتاء المفاجئ، كما يقول روزنتال. "كن واعيًا لتعويض ما ينقصك".
إلى جانب الجلوس في الداخل مع أجهزة العلاج بالضوء، ينصح روزنتال "بالمشي في الهواء الطلق، والاستمتاع بالفصول. إنها جميلة، ولكن لا يمكنك الاستمتاع بها إلا بعد معالجة حالتك الصحية".
وأضاف روزنتال: "من المهم أن يكون المرء في أفضل حالاته، ليس فقط من حيث الأداء، بل أيضًا من حيث تجربة الحياة والاستمتاع بها".