في إيران.. التنجيم عبر "أبيات حافظ"

مخاوف "ميترا" واضحة، فقد قررت المرأة أن تطلب المشورة من أحد العرافين في محيط ضريح حافظ بعد أن راودتها شكوك حول "الأسس التي يُبنى عليها زواج ابنها" كما تصف.

لذا توجهت الأم الستينية إلى الـ فالكير أو العراف، وهو أحد من بين 5 أو 6 عرافين عرضوا خدماتهم في الحديقة ذلك المساء.

ولكن كيف يقرأ العراف الطالع من خلال الشعر؟

الأمر بسيط، فتح الرجل بشكل عشوائي ديوانا شعريا لقصائد حافظ الشيرازي، وتلا بعضا من أبياته التي غالبا ما تمتزج فيها التعبيرات الصوفية والاستعارات، ثم فسر معناها.

لم يستمر الحديث سوى بضع دقائق، لكن ذلك كان كافيا لتشعر "ميترا" بالارتياح، وتقول "لقد استعدتُ الأمل أخيرا".

مصطفى إسكندري، عرّاف من بين العديدين الذين يجلسون في حديقة مدينة شيراز، يبلغ من العمر 67 عاما، ويستطيع قراءة أعمال حافظ عن ظهر قلب، وقد دأب على تأديتها منذ ثلاثة عقود.

لكنه يقول إن سر استخدام القصائد في قراءة الطالع، هو معاني وتفسيرات القصائد المتعددة، فيوضح: "قصائد حافظ غامضة وتحمل أوجه تفسير متعددة.. إذا جاء ألف شخص بسؤال وفتحوا الكتاب معا، سيحصل كل منهم على إجابة مختلفة".

يستخدم عرّافون آخرون، أساليب متنوع في جذب السائلين، فبعضهم يضعون ببغاء مغرد على أكتافهم، ويقدمون للزوار مظاريف ملونة.

ومقابل أجر زهيد، يختار "طائر الحب"، بحسب ترجمته الفارسية، بمنقاره ظرفا يحتوي على بطاقة مطبوعة بأبيات للشاعر.

يؤمن العديد بتلك الطريقة في قراءة الطالع والاطمئنان للمستقبل، فيقول حميدة، وهو مدرس كيمياء أربعيني: "أطلب المساعدة من حافظ بانتظام وأستشيره.. لا أستطيع أن أشرح ذلك بعقلانية، لكنها حاجة بالنسبة لي".

وتشكل قراءة قصائد حافظ الشيرازي أحد تقاليد الاحتفالات برأس السنة الفارسية الجديدة، أو ما يعرف بعيد "النوروز"، في بداية الربيع، وأيضا خلال "شب يلدا"، أو عيد الانقلاب الشتوي.

وتقول مريم يوسفي، وهي ربة منزل أربعينية: "نبدأ العام دائما بقصائد حافظ لنرى ما تخبئه لنا".

وبقي حافظ، الذي تطرق بإسهاب في أشعاره إلى موضوعات الحب والحزن والخمر، من الشخصيات التي تحظى بالتقدير في إيران حتى بعد الثورة الإسلامية عام 1979، رغم تشديد القواعد الاجتماعية في البلاد، بما يشمل حظر الكحول.

لكن قبل بضع سنوات، انتقد أحد كبار رجال الدين الشيعة "فأل حافظ" أو تقليد قراءة الطالع عبر الشعر، معتبرا إياه تقليدا "ليس له أساس في الشريعة الإسلامية"، وحث المؤمنين على عدم "اتباع عرافة حافظ".

وتعكس هذه التقاليد شغف الإيرانيين العميق بالشعر الفارسي، الذي يحتل مكانة في المحادثات اليومية، وكذلك في الخطب السياسية.

ويذهب بعض الإيرانيين إلى حد نسج أبيات عن الحب والروحانية على السجاد، أو نقشها على المجوهرات، أو كتابتها بخط زخرفي على اللوحات الإعلانية.

ومن بين الشعراء البارزين سعدي الشيرازي، الذي لا يزال نثره الغنائي العائد للقرن الثالث عشر حيا في نظر معجبيه. وأبو قاسم الفردوسي، مؤلف ملحمة الشاهنامه أو كتاب الملوك، الذي يُبرز تراث إيران ما قبل الإسلام من خلال حكايات أسطورية.

يلخص فرشاد، وهو طبيب من تبريز، خلال زيارته شيراز، هذا الإرث الشعري الغني قائلا: "إنهم شخصياتنا الوطنية وأعمدة ثقافتنا".