هل يصبح دم الشباب تجارة ضدّ الزمن؟
في سباق البشرية ضدّ الزمن، لم يعد البحث عن إكسير الحياة مجرّد أسطورة، بل تحوّل إلى مسعى علمي جاد تحرّكه شركات التكنولوجيا الحيوية الكبرى ورجال أعمال مهووسون بإطالة العمر.
أحد أكثر هذه المسارات إثارة للجدل هو استخدام بلازما الدم الشاب لإبطاء الشيخوخة وتحفيز تجدد الخلايا، وهو توجه يتطور بسرعة في مختبرات أوروبا والولايات المتحدة رغم الجدل الطبي والأخلاقي الكبير.
من تجارب الفئران إلى مختبرات الشركات
تفيد صحيفة
فايننشال تايمز بأن جذور هذا المجال تعود إلى تجربة علمية أجراها العالم توني ويس-كوراي قبل أكثر من عقد، حيث ربط جهاز الدوران بين فأر شاب وآخر مسنّ، فكانت النتيجة لافتة، إذ تحسّنت ذاكرة الفأر الأكبر سناً، وارتفع نشاط الخلايا الجذعية لديه، وتراجعت مؤشرات الالتهاب في دماغه.
ورغم أنّ التجربة أُجريت على القوارض، فقد أشعلت موجة من الاهتمام على الساحل الغربي للولايات المتحدة، حيث بدأ بعض الأثرياء في البحث عن طرق لنقل هذه النتائج إلى البشر.
وعلى إثر هذا البحث عن الخلود، دخلت الشركات التكنولوجية الحيوية على الخط بسرعة حيث أسس ويس-كوراي شركة ألكاهست التي استحوذت عليها لاحقاً شركة غريفولز الإسبانية المتخصصة في أدوية البلازما مقابل 146 مليون دولار.
واليوم تستخدم الشركة الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات بلازما أكثر من 6 ملايين متبرع في الولايات المتحدة وأوروبا، بهدف التوصّل إلى علاجات تستهدف أمراض الشيخوخة العصبية، وعلى رأسها آلزهايمر وباركنسون.
النهج العلاجي الجديد.. استبدال البلازما بدل زرعها
بينما يسعى العلماء إلى تحديد العوامل الدقيقة داخل الدم التي تؤثر في وظائف الدماغ، بدأت غريفولز تجارب سريرية في برشلونة تقوم على ما يُعرف بـ"الاستبدال العلاجي للبلازما"، وهي عملية يُزال فيها نحو 2.5 لتر من بلازما المريض ويُستبدل بها محلول يحتوي على بروتين الألبومين.
هذا البروتين يرتبط ببروتينات الأميلويد التي تتراكم في أدمغة مرضى ألزهايمر، وقد أظهرت دراسات صغيرة أن هذا الإجراء قد يحسّن الأعراض بنفس فعالية بعض الأدوية الحالية، لكن من دون آثارها الجانبية الخطيرة.
وتُعد البلازما "الإنترنت الخاص بالأعضاء"، بحسب مسؤول الابتكار العلمي في غريفولز، لأنها تحمل بروتينات وأجساماً مضادة وهرمونات تتيح فهماً أعمق للتغيرات البيولوجية المرتبطة بالشيخوخة. ويرى العلماء أنّ الهدف النهائي ليس نقل دم شاب فحسب، بل تطوير أدوية تحاكي هذه العوامل الإيجابية وتعطّل العوامل السلبية في الوقت نفسه، لتصبح البلازما أساساً لعلاج وقائي من أمراض الشيخوخة.
التجارب المثيرة للجدل ومحدودية النتائج
لكن ليس كلّ ما يلمع ذهباً، إذ تصدر رجل الأعمال الأميركي برايان جونسون عناوين
الصحف بعد أن حقن نفسه ببلازما مأخوذة من ابنه البالغ 17 عاماً، في تجربة سماها "أول تبادل بلازما متعدد الأجيال".
وبعد ست جلسات من تبادل البلازما، أعلن جونسون أنه لم يلاحظ "أي فوائد" على مؤشرات عمره البيولوجي، مشيراً إلى أن هذه الطريقة قد تكون مفيدة لكبار السن لكنها لا تضيف شيئاً إلى تدخلاته الصحية الأخرى.
الجدل المحيط بتجارب "الدم الشاب" ليس جديداً. ففي عام 2019 حذّرت هيئة الغذاء والدواء الأميركية من أنّ عمليات نقل البلازما من متبرعين صغار السنّ لا تستند إلى أدلّة علمية كافية لإثبات فعاليتها أو سلامتها في إبطاء الشيخوخة أو علاج أمراض مثل ألزهايمر وأمراض القلب.
وأكّدت الهيئة أنّ هذه الإجراءات لم تخضع للاختبارات السريرية الصارمة المطلوبة لأيّ دواء معتمد.
ورغم هذا التحذير، فإن السباق العلمي مستمرّ، إذ لم يعد الهدف استعادة الشباب، بل السيطرة على العوامل الجزيئية التي ترافق الشيخوخة، وتحويل نتائج هذه الأبحاث إلى أدوية حقيقية. وبين الحماس العلمي والمخاوف الأخلاقية، تبقى بلازما الدم الشاب واحدة من أكثر المسارات الطبية إثارة للجدل في معركة الإنسان الطويلة مع الزمن.