في مرحلة بلوغه عايَشَ وليد نمر دقة اعتداءات الإسرائيليين على أهل مدينته باقة الغربية، ولم ينفضّ النصف الأول من عشرينه حتى أصبح وسط الصراع، ليوضع في سجن نفحة الإسرائيلي مع حكمٍ بالإعدام خُفِّفَ بعدها إلى ٣٧ سنة. وليد دقة واحد من ضمن ٢٧ فلسطينياً سُجنوا قبل اتفاق أوسلو، كان من المفترض أن يتم الإفراج عنه في ٢٠٢٣ إلا أن اتهاما إسرائيلياً بتهمة تهريب الهواتف النقالة للسجناء أضاف له سنتين، حسبما تقول زوجته سناء سلامة.

تزوج وليد من سناء في العام ١٩٩٩ رغم وجوده في السجن بعد أن سُمح لسناء وبعض أفراد عائلته الاحتفال سوياً في غرفة مغلقة داخل السجن، دون إتاحة الفرصة للزوجين بالتواجد مع بعضهما خلوة.

ظلت سناء تقطع مئات الكيلومترات كلما سُمح لها بزيارة زوجها الذي تراه دائماً من خلف القضبان، بسبب قرار إداري يمنع توفير مساحة خاصة لأي زوجين أحدهما سجين.

نطفة الحب المهربة

في العام ٢٠١٩ قرر الثنائي الإنجاب، وقتها نجح وليد في تهريب نطفة من حيواناته المنوية، وصلت إلى سناء، التي تعاملت بدورها مع طبيب مختص عمل على تصفية العينة وزرعها في الرحم. لترى النورَ طفلة في ٣ فبراير ٢٠٢٠ بين يدي أمها، وأبوها خلف قضبان السجن. وقتها قرر دقة أن يطلق على مولودته البعيدة اسم "ميلاد" لأنه شعر أنه وُلد من جديد حسب ما كتب في رسالة مسربة له من السجن وقتها.

نور مع السرطان

اليوم تطفئ ميلاد، شمعة عيد ميلادها الثالث دون أبيها وتخشى ألا تحتفل معه أبداً، لأن السجين يعاني من سرطان نادر في النخاع العظمي يحتاج علاجاً دوائياً، ليس كيماوياً، تم تشخيصه في ديسمبر العام الماضي. لكن عائلته تقول إنه "لا يتلقى أي علاج داخل السجن"، بحسب زوجته التي تضيف "يعاني كذلك أمراض تنفسية والتهابا في الرئة اليمنى".

اعتادت ميلاد منذ بدأت المشي أن تركض إلى حضن جدتها أم حسني لكن فارقت الذاكرة جسد الجدة وتمكّن منها مرض الزهايمر صارت ميلاد تركض نحوها لكن الجدة لا تعرفها. هذا ما ظلّ غصّة في قلب وليد بعد أن تمنّعت ذاكرة والدته آخر مرّة زارته من معرفته.

جائزة إماراتية

قرأ وليد كتباً في الأدب العربي والعالمي في السجن، وأكمل مسيرته التعليمية وحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية؛ لكن ٣٧ سنة في السجن حملت في خباياها الكثير لوليد فاستطاع فيها أن ينتج أعمالا روائية ومسرحية، بالإضافة إلى رسم بعض اللوحات. كتب وليد دقّة رسائل كثيرة من داخل سجنه، أشهرها الرسالة التي كتبها إلى عزمي بشارة، فاستوحى منها مسرحية الزمن الموازي التي تصف واقع حياة المسجونين في إسرائيل، وتعرض قصّة وليد دقة وزوجته سناء.

كتب الدقة بقلم مسجون كتابه صهر الوعي، الذي يرصد أساليب إسرائيل المتطوّرة في محاربة وعي السجناء. وفي عام ٢٠١٨ صدرت للدقة رواية حكاية السر، التي تتحدث عن حياة السجين الفلسطيني وموجهة لليافعين. في ذات السنة فازت الرواية بجائزة الاتصالات عن أدب اليافعين في العالم العربي والتي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة.