سياسة
.
في صالة مسجدٍ رُصّعت جدرانها بورود بيضاء، جلس أفراد عائلة ينتظرون المُعزين في وفاة والدهم. طال الانتظار ولم يأتِ أحد.
كان ذلك في العاصمة الإيرانية طهران في 11 يناير 2023، وكان المأتم لقائد سابق في الحرس الثوري الإيراني علي رضا أكبري، عُرف طويلا بتشدده الديني وسياسته الراديكالية ضد الغرب، قبل أن تكتشف المخابرات الإيرانية أنه كان يقدم للبريطانيين معلومات استخباراتية تخص أسراراً متعلقة بالدفاع والبرنامج النووي للبلاد.
ولد علي رضا أكبري سنة 1961 لعائلة شيعية متدينة ومحافظة من الطبقة الوسطى بمدينة شيراز الإيرانية. خلال المراحل الأولى من حياته، شهد أكبري سقوط نظام الشاه بنيران الثورة الإسلامية، التي تشبع بأفكارها واعتمدها في تكوين قناعاته السياسية والفكرية.
بدأت قصة أكبري بصفوف التجنيد التي احتضنته لستة سنوات قبل أن يعيّن قائداً للحرس الثوري.
عقود مرت ولم يُظهر أكبري أي سلوك قد يبعث الشك لدى الآخرين بعمالته للخارج. ظل يظهر الولاء الشديد للجمهورية الإسلامية والدعم غير المشروط لقاداتها. كان حريصاً على الإكثار من الصلاة، التي تدل عليها علامة في جبهته، يوهم بها من حوله بالتقوى، إضافة إلى آرائه السياسية المتطرفة التي عبر عنها في كتاباته وخطاباته ومقابلاته المتشددة. يروي دبلوماسي ومستشار إيراني رفيع المستوى لنيويورك تايمز أن أكبري كان يشجع إيران في اجتماعات رسمية على امتلاك سلاح نووي.
تقلد أكبري مراتب عالية في الجهاز الأمني الإيراني، إذ اشتغل في منصب نائب وزير الدفاع وكُلف بمناصب استشارية في المجلس الأعلى للأمن القومي وهيئات حكومية أخرى. تمكن أكبري من خلق علاقات مقربة مع العالم النووي فخري زاده ورئيس المجلس علي شمخاني اللذان يعتبران من أقوى رجالات السلطة في إيران.
يصفه محلل للسياسات في إيران والمقرب من الحكومة والحرس الثوري، فؤاد إزادي، على أنه " كان طموحاً للغاية، ومحللاً ممتازًا يتمتع بمهارات فائقة في الكتابة والتحدث، وكان الناس يثقون به". شخصية وذكاء أكبري مكناه من الوصول لمعلومات حساسة وسرية حول البرامج النووية والعسكرية لإيران.
في سنة 2004، وسط تصاعد الشكوك في إسرائيل والغرب بأن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية، كُلف أكبري بتنظيم اجتماعات منتظمة لإقناع سفراء الدول الغربية بأن طهران لا تعتزم امتلاك أي أسلحة نووية.
بث على التلفزيون الحكومي، بعد إعدام أكبري، ثمانية مقاطع فيديو له يظهر فيها مرتديا بدلة رسمية ويجلس على مكتب يروي تفاصيل أنشطته التجسسية وتجنيده من قبل بريطانيا في إحدى المناسبات في السفارة البريطانية في طهران. في أحد المقاطع، يقول أكبري إنه تم تجنيده سنة 2004 وتلقى وعدا بالحصول على تأشيرات بريطانية له ولأسرته.
سنة بعد ذلك، سافر أكبري إلى بريطانيا والتقى بمسؤولين في جهاز الاستخبارات البريطاني لدراسة استراتيجية العمل. وفي السنوات التي أعقبت اللقاء، أنشأ أكبري بتمويل بريطاني قدره 2.4 مليون دولار، شركات في النمسا وإسبانيا وبريطانيا لتوفير غطاء لاجتماعاته.
في 2008، اعتقل أكبري متهما بالتجسس لصالح بريطانيا، لكن أفرج عنه بكفالة بعد أربعة أشهر حينما لم تفض الاستجوابات عن أي اعترافات، وتدخل عدد من أصدقائه النافذين.
مباشرة بعد الإفراج عن أكبري، تلقت بريطانيا معلومات استخباراتية عن محطة فوردو النووية لتخصيب اليورانيوم والتي تم إنشاؤها على عمق 80 متر تحت جبل صخري لمجمع عسكري جنوب طهران. لم تتأخر بريطانيا في إعلام استخبارات إسرائيل والدول الغربية التي وجدت نفسها مجبرة على تغيير استراتيجياتها العسكرية والسيبرانية للتصدي لهذا الخطر المحتمل.
كانت المعلومات الاستخباراتية التي توفرها بريطانيا للدول الغربية الأخرى ولإسرائيل ذات أهمية بالغة يصعب الحصول عليها، إذ أشادت يوني كورين، رئيسة أركان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بالمساهمة المهمة التي يضيفها البريطانيون للجهود الغربية من خلال جمع بيانات تعتمد على الذكاء البشري. وأقرت أن البريطانيين كان لهم وجود في أماكن لم تتمكن إسرائيل أو أميركا من الوصول إليها.
ظل أكبري يسافر إلى لندن بانتظام حتى عام 2010 حين ادعى الإصابة بنوبة قلبية لتبرير بقائه في بريطانيا. انضمت إليه زوجته وابنتيه، وعاش هناك إلى أن حصل على الجنسية البريطانية. وليحافظ على علاقاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين، زار أكبري إيران ثلاث مرات من 2010 إلى 2019.
عند سفره لإيران سنة 2019، تم استدعاؤه إلى وزارة الاستخبارات والأمن الوطني حيث أخبره شمخاني أن هناك دعايات تقول بأن له اتصالات بجهاز الاستخبارات البريطاني. تم التحقيق مع أكبري عدة مرات قبل إلقاء القبض عليه.
بينما كان أكبري يقبع في السجن في 2020، أرسلت إسرائيل روبوتا يتحكم فيه عن بعد لاغتيال العالم النووي فخري زاده، الذي كان يقود سيارته إلى منزله في عطلة نهاية الأسبوع في قرية جبلية بالقرب من طهران، بحسب نيويورك تايمز.
قبل إعدام أكبري في عامه 62، كانت المخابرات الإيرانية تسجل دخوله بانتظام إلى جهاز كمبيوتر قدمه له البريطانيون حتى يضللهم بمعلومات استخباراتية مغلوطة.
بعد ثلاث سنوات من إيقاف أكبري، وفي ظل المظاهرات المعارضة للحكومة والعقوبات الدولية الجديدة، أعلنت السلطات الإيرانية بأن أكبري كان جاسوسا. مرت بضعة أيام فقط عن الإعلان قبل أن يقود حراس السجن أكبري فجر يومٍ إلى فضاء محاط بسور ويتم إعدامه.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة