سياسة
.
اعتاد الرئيس الباكستاني الأسبق عمران خان في مسيرته الرياضية والسياسية الصعود تارة والهبوط تارة أخرى. فبعد معاركه الشرسة في رياضة الكريكيت، التي فاز فيها أكثر مما انهزم، انتقل إلى عالم السياسة ليخوض معارك من نوع آخر.
في العام 1952، ولد عمران خان لعائلة بشتونية ثرية في مدينة لاهور الباكستانية. تلقى تعليمه الأولي بمدارس النخبة بباكستان قبل أن ينضم إلى جامعة أكسفورد البريطانية ويدرس الفلسفة والسياسة والاقتصاد.
بعيدا عن تخصصه الأكاديمي، ولو لفترة، ينضم خان وهو في 22 من عمره إلى فريق الكريكيت الباكستاني ويتنافس ضد إنجلترا في مباراة "وان داي إنترناشيونال." بعد سنتين، 1976، يحصل على وظيفة دائمة في الفريق الوطني ويلعب ضد أستراليا وإنجلترا ونيوزيلاندا. فمن أصل 187 مباراة شارك فيها خلال مسيرته الرياضية، فاز خان في 91 منها وانهزم في 65 كما تعادل في 27. واختتم خان مسيرته الرياضية سنة 1992 بعدما قاد المنتخب الباكستاني إلى الفوز بكأس العالم لأول مرة في تاريخ البلاد.
بفخر، ينهي عمران خان 26 عاما قضاها بمسيرته الرياضية ليبدأ الاشتغال في عالم السياسة الذي لم يخل كذلك من عقبات متكررة. في عام 1996، يُطلق خان حزبه السياسي المعروف بـ "تحريك إنصاف الباكستاني" ويبدأ في رحلة التسلق للسلطة.
خلال العقدين الأولين بعد تأسيس الحزب، اشتغل خان على استقطاب حشود من الباكستانيين الذين أصيبوا بخيبة أمل جراء الفساد الذي عم البلاد ومن الأزمات الخانقة التي كانت تعرفها قطاعات مهمة كالصحة والتعليم، والشغل، والماء والكهرباء. لم يكتف خان بالمواطنين القاطنين بباكستان، بل استقطب المواطنين الآخرين الذين يعيشون بالخارج وأقنعهم بالانخراط في حزبه.
في 30 من يوليو لعام 2013، يقترب خان وحزبه من السلطة بعد حصوله على ثاني أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات العامة. وبالرغم من فشل حزبه للفوز بأغلبية الأصوات، يستمر خان في العمل والتحضير لانتخابات 2018 من خلال التواصل مع المواطنين الذين وعدهم بتغيير باكستان من دولة بها "مجموعة صغيرة من الأثرياء وبحر من الفقراء" إلى "مثال لنظام إنساني، نظام عادل، من أجل العالم، ومثال لما يمكن أن تكون عليه دولة الرفاهة الإسلامية."
لعمران خان نَفَس طويل لربما اكتسبه من مباريات الكريكيت التي قد يمتد بعضها لتسع ساعات. فبعد 22 عاما من تأسيس حزبه السياسي، يفوز أخيرا في الانتخابات العامة لعام 2018 على خصمه نواز شهباز شريف من حزب الرابطة الإسلامية بـ 115 من أصل 270 مقعدا.
تصاعدت الآمال إبان الحملات الانتخابية، لكن العمل على أرض الواقع يكشف القناع عن شيء آخر.
بدل الازدهار الاقتصادي الذي وعد به خان، يجد الباكستانيون أنفسهم وسط تضخم قياسي وصل إلى 12.7٪ وانخفاض لسعر صرف الروبية الباكستانية، وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الضرورية. وبذلك غرقت الدولة في أكثر من 274 مليار دولار، بما يعني أكثر من 90٪ من إجمالي ناتجها القومي.
إضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي يواجهها القادة الباكستانيون في تدبر طرق الإصلاح الاقتصادي، يصطدم معظمهم مع الجهاز العسكري، إذ لم يكمل أي من رؤساء الوزراء السابقين، من بينهم عمران خان، فترة ولايتهم بالكامل والتي تمتد حسب الدستور لخمس سنوات.
هناك مزاعم على أن المؤسسة العسكرية تلعب دورا مهما في الساحة السياسية للدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية.
تتراكم المشاكل الاقتصادية بالبلاد ما يدفع مجلس النواب الباكستاني للتصويت في 9 أبريل 2022 بسحب الثقة عن عمران، فينجح الحزب المعارض في الحصول على 174 صوتا من أصل 342.
6 أيام قبل التصويت بسحب الثقة، يحاول خان إفشال العملية من خلال حل البرلمان، لكن المحكمة العليا تحكم ضده وتعزله عن منصبه نتيجة الفساد الذي يعم ملفي الاقتصاد والسياسة الخارجية والتي يزعمون عدم قدرة خان على معالجتها.
وبذلك يصبح زعيم المعارضة شهباز شريف رئيسا جديدا للوزراء بتصويت برلماني.
في الـ 20 من أغسطس 2022، يتهم خان السلطات باحتجاز وتعذيب عضو بارز بحزبه، يدعى شهباز جيل، بعد ظهوره على قناة إخبارية وحديثه عن الوضعية السياسية في البلاد داعيا القوات العسكرية بعدم قبول أي أمر غير قانوني ولو صدر من أبرز القيادات العسكرية في البلاد.
بسبب تصريحات ضد العنف الذي يمارسه مسؤولون في الشرطة والتي أدلى بها خان في تجمع عام في إسلام أباد في 20 أغسطس 2022، تأمر قاضية باعتقاله ليتم اسقاط الحكم بعد تجمع أنصار له خارج منزله لمنع قوات الشرطة من اعتقاله بتهم مكافحة الإرهاب.
وفي 21 أكتوبر 2022، تقصي لجنة الانتخابات في باكستان خان من الترشح في الانتخابات لخمس سنوات كعقاب له جراء تهم الفساد التي أسندت له.
يتم إيقاف خان في 9 مايو 2023 أمام المحكمة العليا في العاصمة إسلام أباد على خلفية حزمة من التهم من بينها تورطه هو وزوجته السابقة بشرى بيبي وقادة آخرين من حزبه في إنشاء صندوق مالي المعروف "بقدير تراست" لتوفير تعليم جيد بمقاطعة البنجاب الباكستانية، كما اتهم ببيع هدايا حكومية بطريقة غير قانونية في الفترة التي تولى فيها الحكم.
على إثر ذلك، اندلعت احتجاجات عنيفة قام فيها متظاهرون باقتحام مقر إقامة القائد العسكري للاهور، وإغلاق مدخل مقر قيادة الجيش في روالبندي قرب إسلام أباد، مما أدى إلى تدخل قوات الأمن بخراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة