سياسة
.
"التصويت في الانتخابات التركية مسألة حياة أو موت، ولكن أفضل الخيارات مرّ بالنسبة لنا"، هكذا يلخص أكراد تجربتهم مع الانتخابات التاريخية التي جرب في تركيا. وتصف الناشطة والمحللة في المجال الكردي، لامار أركندي، في حديث لموقع "بلينكس" أن ما كان مطروحا أمام الأكراد في الانتخابات التركية "أحلاهما مر، والخيارات محصورة ومقيدة أمامنا".
"لا يستطيع أن يتخيل ما الذي يمكن أن يفعله (أردوغان) بعد إعلان الفوز". أ ف ب
ولفتت إلى تعويل كردي على دول عربية للضغط على أردوغان ضمن سياق الانفتاح في المنطقة. وكان أردلان ميسى، 26 عاما، وهو صاحب مقهى في مدينة ديار بكر التي تقطنها أغلبية كردية في جنوب شرق تركيا، قال لرويترز قبل الانتخابات، "التصويت مسألة حياة أو موت. أردوغان شدد موقفه من الأكراد خلال الحملة الانتخابية". فأردلان لا يستطيع أن يتخيل "ما الذي يمكن أن يفعله (أردوغان) بعد إعلان الفوز".
فاز أردوغان، الأحد ٢٨ مايو، بولاية جديدة إثر اقتراع شهد تنافسا غير مسبوق ليمدد حكمه المستمرّ منذ عقدين حتى عام 2028.
وتغلب الزعيم البالغ 69 عاما على أسوأ أزمة اقتصادية في تركيا منذ جيل وأقوى تحالف للمعارضة واجهه، ليبقى سجله الانتخابي خاليا من الهزائم، حسب وصف فرانس برس.
وشكّل كمال كيليتشدار أوغلو تحالفا قويا جمع حلفاء سابقين لأردوغان وقوميين علمانيين ومحافظين.
ونجح في 14 مايو في الوصول إلى الدورة الثانية لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في تركيا.
ولم يقر رسميا بالهزيمة أثناء تلاوته بيانا مقتضبا أمام الصحافيين في أنقرة. وقال "إنني حزين للغاية في مواجهة الصعوبات التي تنتظر البلد".
حسب أركندي، حتى لو فاز كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية في تركيا بدلا من أردوغان فإن ذلك لن يغير أي شيء بوضع الأكراد، "كل منهما يحمل مشروعا عنصريا يهدف إلى القضاء على المقاومة الكردية من خلال خنق طموحاتنا".
ولم يتضمن المشروع الانتخابي لكل من كليتشدار أوغلو أو أردوغان أي خطة لحل القضية الكردية، تقول أركندي: "عنصريان تجاه القضية الكردية، لكن إردوغان الذي حكم منذ سنوات، تجلت عنصريته تجاهنا على الأرض من فترة".
بالنسبة للأكراد، التأثير الأكبر لفوز أردوغان سيكون على أكراد سوريا، أكثر من الأفراد الموجودين بتركيا. وذلك باعتبار أن القانون يحكم بتركيا، لكن في سوريا الوضع مختلف.
يأتي ذلك في وقت تحصل تغيرات كبيرة بالمنطقة، وللأكراد نصيب كبير فيها.
تتجلى هذه التغييرات، وفق أركندي، في انفتاح عربي على الإدارة الكردية، فهناك مشاريع اقتصادية كبيرة ستنفذ خصوصا في منطقة الجنوب السوري، وفي هذه المنطقة من الضروري أن يكون هناك حصة للأكراد.
ويعول الأكراد على العرب لفرض شروط لصالحهم مقابل الانفتاح العربي على أردوغان.
أردوغان "الذي حول مناطق سوريا لبؤر إرهاب، لا يدير هذه الجهات المسلحة في الخارج فحسب، لكن بالداخل التركي أيضا. فالحكم الأول والأخير هو للمافيا التركية في ظل حكم إردوغان"، تقول المحللة.
لن يتغير شيء على أكراد تركيا، ولكن الحكومة ستضيق على حزب العمال من خلال الأكراد السوريين، وأيضا تمارس ضغطا على أكراد العراق لخنق حزب العمال وأكراد سوريا.
خشيَ الأكراد المعارضون لأردوغان من أن فوزه في الانتخابات الرئاسية قد يعزز حملة القمع التي تشنها الدولة ضدهم منذ سنوات، مع تصاعد النبرة القومية قبل الانتخابات التي جرت يوم الأحد.
وكان يُنظر إلى الأكراد، الذين يشكلون نحو خُمس سكان تركيا، على أنهم ربما يكونوا عنصر الحسم بالنسبة للمعارضة التي أملت في إنهاء حكم أردوغان المستمر منذ 20 عاما. وبدأ الرئيس التركي عهده في البداية بالتودد للأكراد لكنه قمعهم بشدة بعد ذلك، وفق رويترز.
لكن نسبة التأييد لأردوغان كانت مرتفعة قبيل انتخابات الأحد بعدما تفوق في الجولة الأولى على المعارض كمال كليتشدار أوغلو، رغم دعم ستة أحزاب له إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
وبالنسبة لبعض الناخبين الأكراد، لن تكون هناك مخاطر أكبر من ذلك مع تشديد أردوغان نبرته القومية في محاولة لكسب أصوات المزيد من الناخبين قبل جولة الإعادة، حسب رويترز.
فاز حزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 61٪ في ديار بكر في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 14 مايو، بينما حصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على 23٪. لكن على مستوى البلاد، حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 8.9٪.
وتعقدت مسألة دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليتشدار أوغلو بسبب اتفاق مع حزب مناهض للهجرة قال عنه حزب الشعوب الديمقراطي إنه "يتعارض مع مبادئ الديمقراطية العالمية".
وفي سنواته الأولى في السلطة، منح أردوغان المزيد من الحقوق السياسية والثقافية للأكراد.
وألغى أردوغان القيود المفروضة على استخدام اللغة الكردية وأشرف على عملية سلام مع حزب العمال الكردستاني، الذي حمل السلاح ضد الدولة في عام 1984، وتعتبره تركيا وحلفاؤها في الغرب جماعة إرهابية.
لكن بعد انهيار وقف إطلاق النار في عام 2015، غير أردوغان مساره وشنت السلطات حملة قمع أدت إلى اعتقال الآلاف من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، عادة بتهمة الضلوع في أعمال مسلحة، مع عزل العديد من المشرعين ورؤساء البلديات المنتمين للحزب من مناصبهم وسجنهم.
واستغل أردوغان دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليتشدار أوغلو، واتهم المعارضة مرارا بتأييد الإرهاب.
وينفي حزب الشعوب الديمقراطي الاتهامات بأن له علاقات مع مسلحين.
كما لفت أردوغان الانتباه مرارا إلى شريط فيديو مزيف لاتهام كليتشدار أوغلو بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني، الذي يشن تمردا راح ضحيته أكثر من 40 ألف قتيل. ووصف كليتشدار أوغلو هذه الاتهامات بأنها افتراءات.
لا الرغبة في التغيير والانفتاح من جانب جزء من الناخبين، ولا التضخم المالي الحاد، ولا القيود المفروضة على الحريات والصلاحيات الرئاسية المفرطة، نجحت في تغيير المشهد السياسي، حسب فرانس برس.
ولم تساهم أيضا تداعيات الزلزال المدمر في فبراير والذي أودى بما لا يقل عن 50 ألف قتيل وشرد ثلاثة ملايين شخص، في تراجع شعبية أردوغان.
أما حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الذي يتزعمه أردوغان، فقد خسر مقاعد في البرلمان لكنه احتفظ بالغالبية مع حلفائه.
من جهته، عانى كيليتشدار أوغلو هزيمة رغم محاولته استقطاب مزيد من الناخبين في حملته للدورة الثانية من الانتخابات، حسب فرانس برس.
فقد غيّر الموظف الحكومي السابق تركيزه من الحديث على الوحدة الاجتماعية والحريات إلى الحديث أكثر عن الحاجة إلى إخراج المهاجرين من البلد ومكافحة الإرهاب.
واستهدف بذلك استقطاب ناخبي اليمين القومي الذين حققوا مكاسب في الانتخابات البرلمانية.
وبدا بعض أنصار المعارضة مهزومين بالفعل بعد خروجهم من مراكز الاقتراع. وقال بيرم علي يوس في أحد الأحياء المناهضة لأردوغان في اسطنبول لفرانس برس "اليوم ليس مثل المرة الماضية. لقد كنت أكثر حماسة حينها".
وأضاف: "تبدو النتيجة أكثر وضوحًا الآن. لكني مع ذلك أدليت بصوتي".
تمثّل تركيا "بوابة إلى العالم" بالنسبة لإقليم كردستان العراق بفعل شراكة اقتصادية هامة تعززت خلال فترة حكم أردوغان، ولذلك كانت نتائج الانتخابات الرئاسية التركية حدثا هاما ترقبه الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي.
ولم ينتظر رئيس الإقليم نجيرفان بارزاني نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التركية ليعرب لأردوغان في اتصال هاتفي عن "ثقته وتفاؤله" بفوزه في 18 مايو، وفق بيان رسمي.
وكان البعض ينتظر بإيجابية فوز محتمل لأردوغان، إلا أن آخرين من الأكراد في العراق وسوريا المجاورة تخوفوا من عودته، وذلك خشية من تصعيد عسكري.
وبينما وجد إقليم كردستان العراق نفسه في مرمى نيران النزاع بين أنقرة ومقاتلي حزب العمال الكردستاني منذ وقت طويل، في سوريا، تشنّ تركيا هجمات ضدّ الإدارة الذاتية الكردية التي تتهمها بالتعاون مع حزب العمال.
ورغم تداعيات هذا النزاع على الإقليم، لا تملك اربيل خيارا سوى تقبل هذا الوجود العسكري التركي، بحكم العلاقات المتشابكة سياسيا واقتصاديا وجغرافيا، حسب فرانس برس.
وفي العام 2022، بلغت قيمة المبادلات التجارية بين أربيل وأنقرة 12 مليار دولار، ما يساوي أكثر من نصف المبادلات مع العراق عامة.
يرتاح التاجر في دكان صغير للحلويات في سوق أربيل القديم أحمد كروانجي لفكرة عودة أردوغان إلى السلطة في تركيا.
وقال الشاب البالغ من العمر 29 عاما لفرانس برس "منذ أن أصبح أردوغان رئيس جمهورية، نحن مرتاحون، وأصبح هناك الكثير من التجارة بيننا وتحسن الاقتصاد".
وأضاف "في زمن أردوغان كانت العلاقة مستقرة مع الأكراد في إقليم كردستان العراق".
ورأى علي خضر، تاجر الملابس في متجر مجاور، كذلك أنه "مع فوز أردوغان ستكون العلاقة أفضل من قبل".
مع ذلك، يعتبر الرجل البالغ من العمر 34 عاما أن هذا الفوز "لن يكون لمصلحة الأكراد في تركيا".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة