سياسة
.
في الوقت الذي تدفع معظم دول العالم رواتب موظفيها العموميين في أول ٥ أيام من بداية الشهر، يعيش موظفو قطاع غزة على انتظار "هلال الراتب" الذي يراقبونه تماما كما يراقبون هلال العيد ورمضان.
ترى ميد حميد (٢١ عاما) والتي يعمل والدها كموظف في قطاع غزة، أن انتظار أهل غزة للراتب "يجعل من الحياة هنا مدعاة للشفقة"، حسبما قالت. ميد التي ستتخرج من الجامعة خلال الشهور المقبلة لا تحلم بالانضمام للـ ٥٠ ألف موظف في قطاع غزة، وتعلل ذلك بقولها: "لم أدرس ٤ سنوات في الجامعة، كي أكون في وظيفة متعبة، راتبها لا يكفي، وأصلا لا أتقاضاه إلا كل ٤٠ يوم أو أكثر".
القطاع الذي لا تزيد مساحته عن ٣٦٥ كم مربع ويزيد عدد سكانه عن مليونين و٣٧٥ ألف حسب الإدارة العامة للأحوال المدنية بوزارة الداخلية، لم يتقاضَ موظفوه منذ نهاية ٢٠١٣ راتبا كاملا.
ولم يقدر قادة "حماس" على دفع رواتب الموظفين في القطاع بسبب تأخر منحة الرواتب التي يتلقاها القطاع شهرياً من قطر بحسب رويترز. ويعتمد اقتصاد قطاع غزة على المساعدات الخارجية، وكانت قطر قد دفعت مئات ملايين الدولارات منذ حرب ٢٠١٤ التي شنتها إسرائيل على القطاع لمشاريع البناء والإعمار، وحاليا تدفع قطر ٣٠ مليون دولار شهريا على شكل منح للعائلات ووقود لمحطات الكهرباء.
تجبي وزارة المالية في غزة ضرائب غير مباشرة
تقول ميد حميد: "والدي لم يقبض راتبه كاملا منذ سنتين" ويعزي قادة حماس هذا التأخر إلى أنهم لا يستلمون إلا نصف المنحة والبالغ ٥ ملايين دولار لدعم صرف الرواتب. وتنفق الحكومة في غزة ملايين الدولارات على علاج جرحى الحرب وكذلك التحويلات العلاجية إلى خارج القطاع والمتمثلة بتحويلات إلى مستشفيات الضفة أو إسرائيل أو مصر أو الأردن.
القطاع الذي شهدت فيه ميد وعائلتها أكثر من 6 حروب تبلغ حصته من الضرائب الفلسطينية ٣٠٠ مليون شيكل (٨٧ مليون دولار أميركي تقريبا) تصرف السلطة الفلسطينية، وهي الجهة المخولة بجمع الضرائب على التخليص الجمركي للبضاعة المستوردة فقط ١٨٠ مليون شيكل (٥٢ مليون دولار أميركي تقريبا)، يكون ٨٠ منها لرواتب موظفي السلطة في القطاع، و١٠٠ مليون على الصحة والتحويلات العلاجية.
وتجبي وزارة المالية في غزة ضرائب غير مباشرة والتي تتراوح قيمتها ما بين 50 إلى 60 مليون شيكل شهريا، تصرفها ما بين موازنات تشغيلية لاحتياجات المدارس والصحة والأمن وغيرها من الوزارات، بالإضافة لرواتب موظفي غزة. فيما يتمك تحصيل الرسوم الجمركية على البضائع الداخلة للقطاع عبر ميناء "أسدود" عن طريق إسرائيل وتحوّل أموالها "المقاصة" إلى رام الله، مبينا أن ضرائب الشركات الكبرى وترخيصها يُدفع لخزينة رام الله وليس إلى غزة.
خلال حديثها مع بلينكس، استغربت ميد من أنواع الضرائب التي تفرض بطريقة "غريبة" حسبما قالت. وسردت ميد قصة تسوق أجرته في ٢٠٢٢ اكتشفت فيه أن أسعار بناطيل الجينز والعباءات والجلابيب قد ارتفع بشكل ملحوظ، لتتفاجأ طالبة الجامعة بالتاجر يقول لها إن الحكومة في غزة فرضت ١٠ شواكل ضريبة على كل بنطال وجلباب وعباءة نسائية. وجاءت هذه الخطوات بعد أن كثر التجار الغزاويون الذين يسافرون إلى الصين ويأتون بالملابس رخيصة الثمن.
وهذه الضريبة هي ضريبة ثانية يتم دفعها على البضاعة، بحيث تكون المرة الأولى في الميناء الإسرائيلي حيث يدفع التاجر لإدارة الميناء الإسرائيلية، وتقوم إسرائيل كل شهر بتحويل مستحقات الحكومة الفلسطينية من الضرائب مرة واحدة وتسميها "أموال المقاصة". وتستلم السلطة الفلسطينية هذه الأموال والتي بدورها تحول حصة غزة لها في عملية معقدة من تحويل الأموال حتى تصل لمستحقها الموظف.
منذ ٢٠٢١ وإسرائيل تقطع أموال المقاصة عن السلطة الفلسطينية بشكل جزئي وهو ما شكل خطرا ماديا على سكان الضفة وغزة على حد سواء. وتدعي إسرائيل أن دفع السلطة الفلسطينية رواتبا إلى "أسر الشهداء" لمثابة "دعم للإرهاب" لذلك تقوم بخصم جزء من حصة السلطة من المقاصة كل فترة.
منذ ٢٠٢١ وإسرائيل تقطع أموال المقاصة عن السلطة الفلسطينية بشكل جزئي
ترى ميد حميد أن مسألة الرواتب في قطاع غزة يتم التحكم بها من قبل إسرائيل التي "تدخل أموال الضرائب متى شاءت وتقطعها متى شاءت" وترى ميد أنه "حتى المنحة القطرية تتحكم إسرائيل في دخولها من عدمه". ولم تخلِ ميد المسؤولية من على عاتق المسؤولين الفلسطينيين في رام الله وغزة وتقول: "الحكومة مدينة لوالدي بـ ٤ رواتب كاملة منذ ٢٠٢٢، لم تدفعها حتى الآن" وسخرت ميد من الوضع الراهن قائلة: "هذا الي ناقص، أبوي يدين الحكومة".
وتقول حماس إن الرواتب الشهرية تكلفها ١٢٥ مليون شيكل (٣٤.٥ مليون دولار أميركي) شهريا، وأصبحت حماس مسؤولة عن رواتب القطاع منذ ٢٠٠٧ بعد أن سيطرت عليه ورفضت ما تنادي به السلطة الفلسطينية من مفاوضات وسلام مع إسرائيل.
ويخضع القطاع لحصار إسرائيلي مشدد بسبب الصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من القطاع مركزا لها، وكذلك تفرض السلطات المصرية إجراءات أمنية على حركة الدخول والخروج من القطاع.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة