سياسة
.
في ملفات السياسة الخارجية الأميركية، يتردد اسم السياسي البارز بيل ريتشاردسون، بل أن البعض يفضل أن يصنفه كأحد أبطال الولايات المتحدة، الذين تمكنوا من خلال المفاوضات والأحاديث الساحرة من تحقيق أهداف عصية على التحقق، كالإفراج عن مواطنين أميركيين محتجزين لدى أنظمة عالمية لا تتسم علاقتها بالولايات المتحدة بالوفاق.
وحصد ريتشاردسون ثمار الدبلوماسية وحقق تأثيرات ملموسة على أرض الواقع، لكن محاولته الوحيدة في الحصول على لقب مرشح الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأميركية باءت بالفشل، لينسحب من السباق المحتدم للبيت الأبيض بشكل هادئ ومبكر.
بالأمس فقط، انتهى مشوار السياسي الأميركي، الذي لم يرتبط بمنصب محدد، حيث أعلن مركز ريتشاردسون للمشاركة العالمية وفاته أمس السبت عن عمر ٧٥ عاما، مخلفا سيرة من العمل المنفرد والمنجزات الدبلوماسية المثيرة للجدل في بعض من تفاصيلها.
فمن هو الدبلوماسي والسياسي الذي نعته الولايات المتحدة؟
لم يوفق ريتشاردسون في السباق الرئاسي. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
لم يولد ريتشاردسون لأسرة منشغلة بالعمل العام، تسعى للإفراج عن السجناء، أو تهتم بالسياسة، لكنه طور شغفه الخاص بعد أن انتقل للولايات المتحدة في عمر ١٣ عاما، إذ أنه أمضي الشق الأكبر من طفولته في موطن والدته، مكسيكو سيتي، التي تعرفت إلى والده الأميركي في المدينة، ولاحقا سافرت إلى كاليفورنيا لتلد ابنها الأميركي، كي لا تثير أقاويل حول جنسية الفتى، بحسب الموسوعة البريطانية.
إلا أن السياسي المخضرم، ظل مرتبطا بالجنوب، أو ربما ارتبط الجنوب ومواطنيه به، إذ حصل في العام ٢٠٠٣ على منصب حاكم ولاية نيو مكسيكو، وظل في المنصب حتى العام ٢٠١١، ذلك بالإضافة إلى قائمة مناصب أخرى كعضو في مجلس النواب خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكذلك منصب وزير الطاقة في إدارة الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، بالإضافة إلى منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في الفترة ذاتها.
البعض يرى أن ريتشاردسون يمنح الأنظمة العسكرية شرعية. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
لكن على موقع مركز ريتشاردسون للمشاركة العالمية، يخصص قسم خاص للتعريف بـ إرث ريتشاردسون، الذي لا يتضمن منجزات السياسي الراحل في وزارة الطاقة، أو عمل مع الأمم المتحدة، وإنما رحلات السياسي الخاصة في التواصل مع عدد من دول العالم لتحقيق أهداف سياسية ودبلوماسية لبلاده، بالرغم من عدم حصوله على لقب مبعوث دبلوماسي في أي من تلك الدول، إلا أنه اكتسب لقب مفاوض من الطراز الأول، حتى أنه كتب كتابا في تلخيص رحلاته صدر عام ٢٠١٣، وأسماه "كيف تلاطف سمكة قرش.. قصص واستراتيجيات من مفاوض محترف".
تبدأ جولة الرحلات تلك مع العام ١٩٩٤، عندما سافر السياسي الأميركي لهايتي بغرض عقد لقاء غير رسمي مع راؤول سيدراس، ليقنعه بالتنازل عن السلطة، في العام ذاته أُلقي على عاتقه أيضا تأمين إطلاق سراح طاقم مروحية أميركية أُسقطت في المجالي الجوي لكوريا الشمالية، بينما كان هناك على سبيل المصادفة، يناقش قضايا أخرى.
استمر ريتشاردسون في العمل الدبلوماسي غير الرسمي بالرغم من خسارته السباق الرئاسي. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
في العام ١٩٩٦ سخر مهاراته التفاوضية أيضا في المجموعة من الرهائن المحتجزين في السودان من بينهم ممرضة وطيار ومساعده يعملون لصالح الصليب الأحمر الدولي.
بالرغم من الزخم المثار حول جهود ريتشاردسون التفاوضية، ينظر البعض أيضا بعين الغضب إلى أسلوبه التفاوضي، متهمين إياه بمنح الشرعية لبعض الأنظمة، كالمجلس العسكري في ميانمار، الذي اجتمع السياسي الأميركي معه في العام ٢٠٢١ حسب وكالة رويترز، وبعد فترة وجيزة من اللقاء المنتظر أطلقت ميانمار سراح صحفي أميركي محتجز لديها يدعى داني فينستر، ويُعزى لريتشاردسون الفضل في ذلك.
في العام ٢٠٠٨، طمح السياسي الأميركي أن يكون دوره التنفيذي في الولايات المتحدة أكثر تأثيرا ورسوخا، فما كان منه إلا أن انضم للسباق على لقب المرشح الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية، إلا أن أسهمه في الانتخابات التمهيدية لم تبد تفوقا يذكر، خاصة بعد أن احتل المركز الرابع في ولاية أيوا، مما دفعه للانسحاب المبكر من السباق، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
أيد ريتشاردسون أوباما ضد هيلاري كلينتون. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
لاحقا، خلال الصراع المحتدم بين هيلارى كلينتون وباراك أوباما داخل الحزب الديموقراطي، عمد ريتشاردسون إلى تأييد أوباما، على الرغم من أنه كان عضوا في إدارة الرئيس كلينتون في التسعينات، وكان من المفترض أن ينضم السياسي الجمهوري أيضا لإدارة الرئيس أوباما وزيرا للتجارة، لكنه انسحب وفضل عدم الاضطلاع بذلك المنصب بسبب مزاعم حول معاملات تجارية غير لائقة في ولايته.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة