حماية إسرائيل.. بالدعاء أم السلاح؟

بعد مدة من الزمن، وصلت إلى عميشاي رسالة أخرى عام 2016 من الجيش تتهمه بالاحتيال وتفرض عليه الالتحاق بالخدمة العسكرية فوراً. والسبب هو أن صديقته السابقة نشرت صورةً لهما على فيسبوك وهما يتبادلان القبل الحميمية لتنتقم منه بعد أن فطر قلبها.

الحريديم يرفضون الاختلاط بين الرجال والنساء أو حتى المصافحة، ويفرضون على نسائهم تغطية شعرهن وفي بعض الطوائف الفرعية يُفرض ارتداء النقاب الأسود، ولذلك، فمجرد تواجد عميشاي بجوار فتاة أخرى كان كفيلاً بفضحه.

اليوم، تثار معضلة حول خدمة أمثال عميشاي في الجيش أصبحت، حتى أحد أبرز المواضيع التي تقسم اليمين الإسرائيلي نفسه ما بين يهود علمانيين يشددون على تساوي الجميع تجاه واجب الخدمة الإجبارية في الجيش، ويهود يؤمنون بأنهم يستحقون الإعفاء من الخدمة وإنفاق الدولة عليهم ليتسنى لهم دراسة التوراة والتفرغ للأمور الدينية.

على سبيل المثال، السياسي اليميني أفيغادور ليبرمان الذي كان حليفاً مقرباً لنتنياهو ووزيراً للدفاع والخارجية في عهدته رفض الجلوس معه في حكومة واحدة في عام 2019 بسبب قضية إعفاء الحريديم، فليبرمان يؤمن بأن على الجيش إجبارهم على الخدمة كباقي الإسرائيليين. وتسبب رفض ليبرمان القاطع في إعادة الانتخابات.

الشباب الذكور في إسرائيل يتوجب عليهم الخدمة الإجبارية لمدة 32 شهرا عند بلوغ سن 18، والإناث لمدة 24 شهر، لكن يعفى عرب الداخل من التجنيد.

أما البقية، فإذا وصل لأي شاب إسرائيلي إخطار الخدمة العسكرية فبإمكانه التهرب عبر ادعاء الإصابة باضطراب نفسي أو عاطفي كالاكتئاب ونوبات القلق، فواحد من كل ثمانية أشخاص مؤهلين للتجنيد الإجباري يعفى من الخدمة في الجيش بسبب تلك الاضطرابات.

نصف الشباب لا يخدمون في الجيش

نسبة الإعفاء من الخدمة بسبب اضطرابات نفسية كانت نحو 6% فقط في عام 2011، والآن وصلت لنحو 13% وما زالت في تزايد مستمر سنوياً. يمكن القول إن الجيش لم يعد محاطاً بهالة قداسة كبيرة بين الجيل الجديد كما كان لأجيال إسرائيل الأولى. ففي عصر منصات التواصل، الشباب أصبحوا أكثر استقلالية وفردية وأكثر اهتماماً بالذات.

وبينما كان من العار في الماضي التهرب من الخدمة، أصبح اليوم هذا أمراً اعتيادياً جداً لدرجة أن نحو نصف الشباب الإسرائيلي الذين وصلوا سن الخدمة تخلفوا عن صفوف الجيش العام الماضي.

ماذا تقول الإحصائيات الجديدة؟

وتظهر أحدث استطلاعات الرأي أن حوالي 47% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون تحويل الجيش الإسرائيلي لجيش مهني بدلاً من منظومة الخدمة الإجبارية.

المفارقة هي أن نسبة إقبال الإسرائيليين الدروز الذكور على الخدمة في الجيش كانت الأعلى وطنياً منذ عام 2011 (حوالي 80% في مقابل 67% نسبة تجنيد اليهود). وأحد الأسباب هي الوضع الاجتماعي المتردي والبحث عن مهرب من الفقر والحصول على الامتيازات التي يخولها الجيش لمنتسبيه.

أما اليهودي المتدين، فحين تصله رسالة التجنيد الإجباري يمكنه أن يرد عليها بكلمتي "توراتو أومانوتو" أي "دراسة التوراة هي عملي". وفي هذه الحالة، يمكنه تأخير الخدمة أثناء دراسته في مدرسة يشيفا دينية وإذا وصل سن 26 عام يسقط عنه التجنيد الإجباري.

حوالي 16% ممن بلغوا سن التجنيد في عام 2020 امتنعوا عن الخدمة تحت تلك الذريعة.

عبارة "توراتو أومانوتو" مصدرها هو التلمود عن الحاخام سمعان بن يوهاي ورفاقه الذين كانت دراسة التوراة مهنتهم.

كيف "يحمي" الحريديم إسرائيل بالدعاء؟

حتى لا يقال إنهم جالسون في بيوتهم بينما يقوم آخرون بالدفاع عنهم، يقول اليهود الحريديم إن دراسة التوراة أو تلاوته، عندما يقوم به كبار رجال الدين أو تلاميذهم، أمر بالغ الأهمية في الدفاع عن الشعب الإسرائيلي من التهديدات الخارجية والداخلية. ويرون أن ما يفعلونه يمكن اعتباره لواء إضافيا للجيش يدعى "فرقة الصلاة".

إذا لم يتم تمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد خلال جلسة الكنيست هذا الشتاء، فالحكومة قد تواجه خطر الانهيار. هذا كان تحذير وزير البناء والإسكان الإسرائيلي الحريدي، يتسحاق غولدكنوبف.

الأحزاب المتدينة شاس ويهدوت هتوراة تريد تمرير قانون يعطي إعفاء شاملا لكل شباب الحريديم بشكل رسمي. ويهدف ذلك القانون لإسقاط الخدمة الإجبارية عن الحريديم عند بلوغهم 21 عام بدلاً من 26. أي أنه سيتوجب عليهم فقط تأخير الخدمة بحجة دراسة التوراة لمدة ثلاث سنوات فقط.

يريدون المساواة بين القتال في الجيش والقتال بالدعاء حرفياً

لكن القيادات السياسية الحريدية تخشى أن تقوم المحكمة الإسرائيلية العليا بإبطال هذا القانون بحجة أنه مناف لمبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الدولة. لذلك، يريدون أيضاً تمرير قانون أساسي لا تستطيع المحكمة العليا الاعتراض عليه ينص على المساواة بين الخدمة العسكرية الإجبارية ودراسة التوراة، أي ليصبح القتال في الجيش والقتال بالدعاء متساويين قانونياً.

كان هذا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الأحزاب الدينية لتأييد قانون إلغاء مبدأ المعقولية الذي مرره تحالف بنيامين نتنياهو في شهر يونيو. ففي ظل غياب دستور رسمي للبلاد، كانت لدى المحكمة العليا عادةً القدرة على إبطال قوانين الكنيست والحكومة المنافية للمنطق أو مبادئ حقوقية أساسية بحجة عدم عقلانية تلك القوانين.

خلال عهد الحكومة الإسرائيلية الوسطية السابقة بقيادة يائير لابيد ونفتالي بينيت، قام وزير الدفاع آنذاك وزعيم المعارضة الحالي بيني غانتس بتقديم مشروع قانون في الكنيست لحل معضلة تجنيد الحريديم لكنه لم يحظ بتصويت الأغلبية اللازمة لتمريره. فكرة قانون غانتس كانت إسقاط الخدمة العسكرية عن الحريديم بعد سن 21 مقابل تأديتهم لخدمة وطنية في المقابل أي العمل في وظائف مدنية، بهدف تقليل نسب الفقر والبطالة المستفحلة في وسط هذه الطائفة.

أما الآن، ما يرديه قادة الحريديم هو الإعفاء دون مقابل، وهو ما يعارضه قادة المعارضة بشكل شرس لأنهم يرون بأن ذلك سيزيد من الانقسام الداخلي في المجتمع الإسرائيلي وسيدفع باقي الإسرائيليين للقول "لماذا هم فقط؟" مما يعني ارتفاع وتيرة العزوف عن الجيش في أوساط العلمانيين أيضاً.

الحريديم هم أيضاً الطائفة الأسرع نمواً من حيث عدد المواليد الجدد في إسرائيل، فبعض عائلاتهم تنجب نحو 12 طفلا. لذلك، إعفاؤهم من الخدمة بشكل كامل بهذه الطريقة يعني اندثار الجيش بشكل تدريجي.

التقديرات تشير إلى أن نسبة الإسرائيليين الشباب للخدمة العسكرية خلال 15 عام ستكون 40% ممن بلغوا سن التجنيد (بناءً على استثناء العرب والحريديم).

قد تنخفض تلك النسبة لأدنى من ذلك بكثير وسط ارتفاع الممتنعين عن الخدمة بسبب اضطرابات نفسية وعاطفية والشاعرين بالغيرة والحقد تجاه الحريديم.

لذلك، تناقلت الصحافة الإسرائيلية تصريحاً للأمين العام لجماعة حزب الله المسلحة اللبنانية حسن نصر الله قال فيه إن قانون إعفاء الحريديم سيكون "ضربة كبيرة" للجيش الإسرائيلي الذي يعيش أضعف حالاته.