سياسة
.
باتت واشنطن، أمام أقلّ من ٥ أيام للتوصل إلى اتفاق حتى تتجنب الإغلاق الحكومي، وفق واشنطن بوست. ويقول محللون إن هذا الأمر طرح مجددا تراجع قوّة ونفوذ الولايات المتحدة الأميركية في الساحة الدولية، لكن أيضا، ديمقراطيتها أصبحت تحت مرمى الانتقادات.
بدأ ملايين الأميركيين العدّ العكسي لتوقّف الرواتب والإعانات الاجتماعية. مصدر الصورة: أ ب
وبدأ ملايين الأميركيين، الإثنين، العدّ العكسي لتوقّف الرواتب والإعانات الاجتماعية خلال أيام مع اتّجاه الأمور في الكونغرس نحو "إغلاق" مؤسسات حكومية بعد عرقلة جمهوريين يمينيين مساعي إقرار الميزانية، وفق رويترز.
فماذا يحصل في واشنطن؟ وما خطورة الإغلاق؟ خصوصا بعدما قال الرئيس السابق، دونالد ترمب، ليل الأحد إن "لم تحصلوا على كل شيء فأغلقوها" في إشارة إلى المؤسسات الفيدرالية.
تعذّر على الجمهوريين الذين يحظون بالغالبية في مجلس النواب إقرار مجموعة مشاريع القوانين المعتادة التي تحدّد ميزانيات الإدارات للسنة المالية المقبلة التي تبدأ الأحد، بعدما أعاق جهودهم متطرّفون في الحزب يطالبون بخفض كبير للإنفاق.
قيادة الحزب لا تحظى بالأصوات اللازمة للدفع قدما بمشروع قانون تمويل قصير الأجل يستند إلى مستويات الإنفاق لعام 2023، لضمان استمرارية تمويل المؤسسات الفيدرالية بعد منتصف ليل السبت- الأحد، حسب رويترز.
في مقاله بالمجلة الأميركية فورين بوليسي، كتب النائب الأول لرئيس قسم الأبحاث في مؤسسة كارنيغي، دانييل باير، أن "المعركة المتصاعدة بشأن الميزانية والإغلاق الذي يلوح في الأفق في واشنطن هو من الأخطاء التي تقلل من قوة أميركا".
ويشرح باير أن هذه المعركة تستهلك طاقات الكونغرس والبيت الأبيض في وقت تدور فيه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات مع الصين، والمخاطر المرتبطة بالاختراقات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، والجهود المستمرة لاحتواء الضغوط الاقتصادية العالمية.
"يلعب المشرعون بالكونغرس مسرحية سياسية غير ضرورية، فإنهم والبيت الأبيض يصرفون انتباههم عن القضايا المحلية والدولية الملحة التي لا يمكنها انتظار انتهاء العرض التمثيلي"، وفق ما يعتبر باير.
العجز المتكرر للكونغرس الأميركي عن تمرير الميزانية الفيدرالية بشكل موثوق لا يؤدي إلى تشتيت الانتباه فحسب، بل يؤدي أيضا إلى الإنفاق غير الفعّال: فبدلا من تخصيص الإنفاق بشكل استراتيجي، لا تؤدي التدابير المؤقتة إلا إلى توسيع سوء الإنفاق الحالي وتفشل في تحديد أولويات ميزانية جديدة عاجلة.
ربما تؤدي الميزانية التي يتم التفاوض عليها بشكل صحيح إلى تحويل الموارد نحو الأولويات مثل مساعدة المجتمعات الأميركية على بناء القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ، والاستثمار بشكل أكبر في التنمية الاقتصادية في أميركا الوسطى للحد من ضغوط الهجرة، وإلغاء الإنفاق الآخر الذي قد لا يكون له ما يبرره، حسب تقرير فورين بوليسي.
يكتب باير أن وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم تنشر العديد من التقارير عن واقع مفاده أن الحكومة الأميركية بأكملها ربما تغلق كون قادتها لا يستطيعون التعامل مع العملية التشريعية الأساسية المتمثلة بإقرار الموازنة.
يأتي ذلك، وفق باير، في زمن الصراع العالمي بين الديمقراطية والاستبداد، "فإذا كان الحزب الشيوعي الصيني مقتنعا بأن الولايات المتحدة دخلت عصرا من الانحطاط والانحدار، فإن مهزلة إقرار الميزانية تشكل دليلا تدعم فرضيته".
يعدد باير الحلقات المتعددة في ما يعتبره "سيرك"، والحلقة الأهم حسب رأيه هي نظام تمويل الحملات الانتخابية، عندما يحدد المال النتائج السياسية، بحيث يجب على السياسيين إعطاء الأولوية لجمع التبرعات إذا كانوا يريدون الحصول على أي فرصة ليتم انتخابهم أو إعادة انتخابهم.
من شأن الإغلاق أن يضع في مهبّ الريح الموارد المالية المخصصة للعاملين في المتنزهات الوطنية والمتاحف وغيرها من المواقع التي تعمل بتمويل فيدرالي، كما يمكن أن تكون له تداعيات سياسية خطيرة على بايدن في سعيه للفوز بولاية ثانية في انتخابات 2024.
وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تصريح للصحفيين في البيت الأبيض إن "تمويل الحكومة هو من المسؤوليات الأساسية للكونغرس". وتابع: "إن لم يبادر الجمهوريون في مجلس النواب لأداء عملهم فعلينا أن نتوقف عن انتخابهم".
وحذّرت إدارة بايدن من أنّ ٧ ملايين شخص يعتمدون على برنامج المساعدات الغذائية للنساء والأطفال ربما ينقطع التمويل عنهم.
تضاف إلى ذلك مسألة شائكة أخرى تكمن في طلب مساعدات إضافية لكييف، بعدما أجرى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، زيارة للكونغرس في الأسبوع الماضي وطلب مزيدا من الأسلحة لقتال القوات الروسية في الحرب المستعرة في بلاده منذ 18 شهرا.
ويؤيّد الحزبان في مجلس الشيوخ مشروع قانون المساعدات البالغة قيمتها 24 مليار دولار، لكنّ مجموعة من الجمهوريين المتشدّدين في مجلس النواب يهدّدون بعرقلة إقرار أيّ إجراءات تمويل بما في ذلك المساعدات.
غالبا ما يتحوّل التصويت على الميزانية في الكونغرس إلى مواجهة يستخدم فيها أحد الحزبين شبح الإغلاق لانتزاع تنازلات من الخصم، لكنّ هذه المناورات عادة ما تبوء بالفشل.
وترمب المرشّح أيضا للرئاسة في استحقاق العام المقبل فرض إغلاقا للمؤسسات الفيدرالية لمدة 35 يوما على خلفية الضوابط الحدودية في العام 2018، إلا أنّ المؤسسات الفيدرالية عاودت عملها في نهاية المطاف بعد فشل الإدارة في انتزاع أيّ تنازل من الديمقراطيين.
وعادة ما تُحّل المعضلة قبل تحوّلها إلى أزمة، إلا أنّ احتمالات إغلاق المؤسسات الفيدرالية هذا العام يفاقمها استقطاب حادّ في الكونغرس.
وفي مجلس الشيوخ يقود النقاش اثنان من كبار السياسيين هما زعيم الأغلبية الديمقراطية، تشاك شومر، وزعيم الأقلية الجمهورية، ميتش ماكونيل.
ويسعى شومر في محادثات يجريها مع ماكونيل والبيت الأبيض إلى تمهيد الطريق أمام إقرار تمويل قصير الأجل يشمل مساعدة أوكرانيا.
ومن شأن هذا التدبير الذي يحظى بتأييد الحزبين في مجلس الشيوخ أن يضمن استمرارية عمل المؤسسات الفيدرالية حتى مطلع ديسمبر، لكن من المرجّح ألّا يكون جاهزا لعرضه على التصويت قبل "الإغلاق" كما أنّه لن يحظى بتأييد اليمينيين في الحزب الجمهوري.
توظّف الحكومة الأميركية أكثر من مليوني مدني، إضافة إلى أفراد عسكريين ومقاولين فيدراليين.
وربما يُطلب من موظفي الخدمة المدنية "غير الضروريين" ملازمة منازلهم خلال "الإغلاق"، وهؤلاء لن يقبضوا رواتبهم إلا بعد أن ينتهي الإغلاق ويعودوا إلى العمل.
وستتعطّل الخدمات الحكومية الأميركية وسيُمنح مئات الآلاف من الموظفين الاتحاديين إجازات من دون أجر إذا فشل الكونغرس في توفير التمويل للسنة المالية التي تبدأ في الأول من أكتوبر، حسب رويترز.
يخيّم شبح "الإغلاق" بعد ٤ أشهر فقط على اقتراب البلاد من تخلّف كارثي عن سداد ديونها، مع ما كان سيترتب عليه من عواقب وخيمة على الاقتصاد في الولايات المتحدة وخارجها.
قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن إغلاق الحكومة الأميركية سيضرّ بتصنيفها السيادي، في تحذير شديد بعد شهر من خفض وكالة فيتش تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة على خلفية أزمة سقف الديون.
وقال محلل موديز، وليام فوستر، لرويترز إن الإغلاق المحتمل سيكون دليلا آخر على مدى إضعاف الاستقطاب السياسي في واشنطن لعملية صنع السياسات المالية فيما تتزايد الضغوط على قدرة تحمل ديون الحكومة الأميركية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وأضاف: "إذا لم تكن هناك استجابة فعالة في السياسة المالية لمحاولة تخفيف تلك الضغوط.. فسيكون هناك احتمال حدوث تأثير سلبي متزايد على الوضع الائتماني. وربما يؤدي ذلك إلى نظرة مستقبلية سلبية، وربما خفض التصنيف في مرحلة ما، إذا لم تُعالج هذه الضغوط".
الشيكات ترسل، لكن يتوقف التحقق من المزايا وإصدار البطاقة. رغم أنّه من غير المرجح أن يحدث ذلك مرة أخرى، إلا أنه خلال فترة الإغلاق في الفترة 1995-1996، تم رفض أكثر من 10 آلاف متقدم للرعاية الطبية مؤقتا في كل يوم من أيام الإغلاق.
أثناء إغلاق عام 2013، أوقفت وكالة حماية البيئة عمليات تفتيش المواقع لـ1200 موقع مختلف تشمل النفايات الخطرة ومياه الشرب والمنشآت الكيميائية، وأجلت إدارة الغذاء والدواء ما يقرب من 900 عملية تفتيش. أثناء إغلاق 2018-2019، أعادت إدارة الغذاء والدواء بعض عمليات التفتيش على الأغذية بعد أسابيع قليلة من انتهاء التمويل للمنتجات التي اعتبرت عالية المخاطر.
في عام 2013، أبعدت خدمة المتنزهات الوطنية ملايين الزوار إلى أكثر من 400 متنزه ومعالم وطنية ومواقع أخرى. الإغلاق أدى إلى خسارة أكثر من 500 مليون دولار في إنفاق الزوار على مستوى البلاد. ظلّت العديد من المتنزهات مفتوحة خلال إغلاق 2018-2019، رغم عدم تقديم خدمات للزوار، وأبلغ عن الأضرار وتراكم القمامة في العديد من المواقع.
خلال فترة الإغلاق 2018-2019، تعرّض السفر الجوي لضغوط نتيجة عمل مراقبي الحركة الجوية ووكلاء إدارة أمن النقل من دون أجر. واجه المسافرون طوابير أطول حيث لم يحضر بعض عملاء إدارة أمن المواصلات إلى العمل وتم إغلاق نقاط التفتيش الأمنية، بينما أدّى غياب ١٠ مراقبين للحركة الجوية إلى توقف السفر مؤقتا في مطار لاغوارديا وتسبب في تأخيرات في العديد من المطارات الرئيسية.
سيتم منع المعاهد الوطنية للصحة من قبول مرضى جدد أو معالجة طلبات المنح. في عام 2013، اضطرت الولايات إلى تقديم الأموال لبرامج المنح النموذجية مثل المساعدة المؤقتة للعائلات المحتاجة.
تطور كلّ وكالة فيدرالية خطة الإغلاق الخاصة بها، باتباع الإرشادات الصادرة في عمليات الإغلاق السابقة والتي تُنسق من قبل مكتب الإدارة والميزانية. وتحدد الخطة الأنشطة الحكومية التي لا تستمر حتى تتم استعادة الاعتمادات، مما يتطلب الإجازات ووقف العديد من أنشطة الوكالة.
وتستمرّ الخدمات الأساسية، والتي يرتبط العديد منها بالسلامة العامة، في العمل، مع تغطية المدفوعات لأيّ التزامات يتمّ تكبدها فقط عند صدور الاعتمادات.
في عمليات الإغلاق السابقة، كانت حماية الحدود، والرعاية الطبية، ومراقبة الحركة الجوية، وإنفاذ القانون، وصيانة شبكة الكهرباء من بين الخدمات المصنفة على أنها ضرورية، في حين تمّ أيضا حماية بعض الموظفين التشريعيين والقضائيين إلى حدّ كبير.
ويستمرّ الإنفاق الإلزامي الذي لا يخضع للاعتمادات السنوية، مثل الإنفاق على الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، والمساعدات الطبية. ومن الأمثلة الأخرى على الأنشطة المستمرّة تلك الممولة من رسوم المستخدم الدائم التي لا تخضع للاعتمادات، مثل خدمات الهجرة الممولة من رسوم التأشيرة.
بعض البرامج التي تمول من خلال الاعتمادات المسبقة، مثل تلك الموجودة داخل إدارة صحة المحاربين القدامى، تأثرت بشكل طفيف خلال عمليات الإغلاق الأخيرة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة