سياسة
.
يواصل مسعفو قطاع غزة الليل بالنهار أثناء عملهم على انتشال القتلى والجرحى، إلا أن 9 منهم مع طبيب وعامل في القطاع الصحية احتاجوا إلى من ينتشل جثامينهم بعد قصف إسرائيلي استهدفهم بشكل مباشر في مناطق متفرقة وفي أوقات مختلفة.
فكيف قتل الجيش الإسرائيلي هؤلاء؟ وأين الحماية الواجب توافرها لهم؟ وكيف يعمل المسعفون الآخرون في أوقات الحرب في غزة؟
يسري المصري، أحد الأسماء المعروفة لدى سكان قطاع غزة المحاصر منذ ١٧ عاما. يعمل يسري كضابط إسعاف في الهلال الأحمر الفلسطيني، وبينما كان يتجه إلى أحد البيوت التي قصفها الطيران الحربي الإسرائيلي استهدفت الطائرات السيارة التي يستقلها برفقة اثنين من زملائه المسعفين.
تقول فداء عزانين التي تسكن في بيت حانون شمال شرق القطاع: "يسري المصري استشهد، كلنا بنعرفه في بيت حانون. من أيام الانتفاضة ليومنا هذا ما في قصف اجتياح اشتباك وفي جرحى أو شهداء إلا وكان أول الواصلين للمكان".
وتضيف فداء على تويتر أنها تعرف يسري جيدا، وذكرت أنه نجا أكثر من مرة من الموت إثر القصف الإسرائيلي.
يعمل يسري كمسعف منذ الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠ وأنقذ العديد من المصابين خلالها وأثناء الحروب السابقة على غزة منذ ٢٠٠٨، إلا أن الصاروخ الإسرائيلي الأخير الذي وقع على السيارة التي فيها يسري جعل فداء تقول: "استشهد الاسم إلي كلنا بنعرفه من وإحنا صغار".
قرب برج الندى شمال قطاع غزة قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني وظهرت سيارة الإسعاف في صور نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية وتداولتها العديد من صفحات السوشال ميديا الفلسطينية والعربية، وبدا على سيارة الإسعاف في الصورة الدمار الكبير حسبما وصف مغردون على منصة إكس.
ويلقى طاقم المسعفون صعوبة كبيرة في السيطرة على انتشال الضحايا الذين ظل عدد كبير منهم لساعات تحت الأنقاض قبل أن يتمكن مسعفو الهلال الأحمر من انتشال بعضهم أحياء.
يحاول إبراهيم حمدان وهو رجل إنقاذ فلسطيني يعمل في إدارة الطوارئ المدنية، وهي خدمة الإطفاء والإنقاذ التي تديرها حكومة غزة، أن يتفادى الضربات الجوية الإسرائيلية بينما يمارس عمله الذي أصبح اعتياديا منذ السبت الماضي، وهو محاولة انتشال الناجين من المنازل المهدمة بفعل القصف الإسرائيلي الكثيف، وذلك حسب حديثه لوكالة رويترز.
يربط حمدان يده اليسرى ومعصمه بضمادة بعدما أصيب جراء سقوط حطام عليه خلال محاولة إنقاذ كان يقوم بها يوم الأربعاء الماضي، حينها لم يتمكن المنقذ الثلاثيني سوى من انتشال جثتي فتاتين من تحت أنقاض منزلهما في مدينة خان يونس جنوب غزة، حينها قفزت عائلة المنقذة في ذهنه، إذ يقول: "لم أستطع التوقف عن التفكير في بناتي الأربعة".
يتكون فريق حمدان من ١٢ منقذ، لا يحصل أيهم إلا على ما يزيد قليلا عن ساعة من النوم في المرة الواحدة، وبالكاد يتناولون الطعام أو يتصلون بأسرهم.
يحاول حمدان التحدث مع زوجته وأطفاله الستة بين كل عملية إنقاذ وأخرى عن طريق الاتصال بالفيديو كي يرى وجوههم، فيقول: "أشعر بالتوتر إلى أن أجري هذه المكالمة"، فالهواجس لا تغادر حمدان طوال عمله، إذ يخشى أن يتلقى في إحدى اللحظات مكالمة هاتفية تخبره أن عليه التوجه لإنقاذ عائلته ذاتها.
وقال حمدان، الذي شاهد حروبا متكررة منذ أن عمل في الإنقاذ بحكومة غزة عام 2007: "هذه الحرب قاسية بشكل يفوق الخيال. إنهم يهدمون المباني السكنية بدون سابق إنذار. إنهم يهدمون المباني الشاهقة فوق رؤوس سكانها".
يوم الإثنين أعلن الناطق باسم وزارة الصحة في غزة الدكتور أشرف القدرة أن القطاع يعاني من نقص المواد الدوائية والإمدادات الطبية والكوادر البشرية. وفي حال استمر انقطاع الكهرباء عن القطاع فإن المستشفيات فيها ستتحول إلى "مقابر جماعية" حسبما أوضح القدرة.
ويعمل المسعفون والممرضون والأطباء ضمن حالة الطوارئ منذ يوم السبت بحيث يعمل كل موظف في القطاع الطبي لمدة ٢٤ ساعة ثم يستريح في اليوم الذي يليه، وتسري هذه الخطة طيلة أيام الأسبوع عدا الجمعة الذي يتناوب فيه الأطباء على الدوام.
هذا القصف هو الأكثر كثافة على الإطلاق الذي توجهه إسرائيل إلى قطاع غزة، الذي يبلغ طوله 40 كيلومتر فقط ويعيش فيه 2.3 مليون نسمة بمدن ومخيمات مكتظة باللاجئين مع عدد قليل من ملاجئ الحماية وبدون أي مكان آخر للفرار إليه.
ودُمرت مبان كثيرة يشغل المدنيون العديد منها، مما جعل خدمات الإنقاذ تواجه صعوبات من أجل الوصول إلى مواقع التفجيرات الجديدة بسرعة، فالطرق مقطوعة إما بسبب كثرة الحفر الناجمة عن الضربات المباشرة أو بسبب الأنقاض المتراكمة جراء الضربات القريبة، كل ذلك يعرقل عمليات الإنقاذ.
ونظرا لأن عمال الإنقاذ ليس لديهم ما يكفي من الآلات الثقيلة مثل الحفارات الميكانيكية والجرافات، فإنهم يعتمدون على المجارف والأدوات اليدوية الأخرى لرفع الأنقاض، وعادة ما يقوم الجيران بأعمال الإنقاذ الأولية عن طريق سحب قطع من الحطام بحثا عن ناجين أو أملا في انتشال الجثث لدفنها.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة