رحلة الموت جنوبا.. أهالي غزة يعيشون "التهجير الثاني"

مناطق الجنوب التي طلب الجيش الإسرائيلي من سكان شمال القطاع اللجوء إليها لا تزيد مساحتها عن ١٢٠ كيلو متر مربع، وتوافد الناس إليها منذ صباح الجمعة ١٣ أكتوبر وما زالوا يتوافدون حتى مساء السبت 14 أكتوبر.

في مكالمة سابقة قالت ميد لبلينكس إن عائلتها توكل إليها مهمة وضع الأغراض الضرورية في الحقائب التي هي مسؤولة عنها طوال فترة التنقل أثناء القصف.

هذه المرة وفي رحلتهم من بيت جيرانهم إلى الجنوب تركت ميد الحقيبة في المنزل الذي قُصف، وتعلل ذلك ميد بقولها: "ببساطة، ما انتبهت، الكل كان خايف وطلعنا بدون أي شيء بأيدينا، حتى إلي كان تلفونه مش في جيبته، تركه هناك".

عائلات أخرى خرجت بذات الطريقة بعد اشتداد القصف خلال ساعات فجر يوم الجمعة والذي يستمر حتى لحظة نشر هذا التقرير.

عائلات وجدت نفسها في الشارع دون مال أو وسيلة اتصال أو فسحة للعقل يعيد فيها تركيزه ليستطيع التفكير، حسبما تقول ميد لبلينكس.

"بعد أن نزلنا إلى الشارع ومشينا 5 دقائق، رأيت مناظر غريبة، لم أرَ هذا الدمار في الحروب السابقة رغم أني عايشتها كلها" هذه هي ردة فعل ميد بعد أن خرجت في رحلة النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه.

تقول ميد: "القطاع يتعرض لإبادة جماعية"، لم تعرف الشابة ذلك لأن الكهرباء والإنترنت كانا مقطوعين حيث تقيم العائلة في منزل جيرانهم، وكذلك لم يكن مسموحا أن ينظروا من خارج الشباك خوفا من انفجار قريب. لذلك كانت المناظر عن كثب سببا في "دمار نفسي" حسبما قالت ميد.

استقلت العائلة النازحة ظهر شاحنة وقف سائقها لهم وركبوا معه في الجزء الخلفي من الشحن الخفيف الذي يستقله، تقول ميد: "كان في الشاحنة ناس بأعداد كثيرة لا أعرفهم ولا يعرفونني، لكنني طلبت الماء من أحدهم فأعطاني القليل كي أشرب".

لم تدفع العائلة لسائق الشاحنة ثمن "التوصيلة" كما أسمتها ميد، لأن السائق تهجر مع عائلته ووقف لكل من لا يملك وسيلة نقل حتى امتلأت الشاحنة.

لم تكن ميد الوحيدة التي مشت في هذا الطريق في شارع صلاح الدين في دير البلح وسط القطاع، فكل من تهجر من الشمال مر من دير البلح في الوسط حتى وصل إلى الجنوب.

الجيش الإسرائيلي ألقى منشورات تطلب من السكان في شمال قطاع غزة الخروج إلى الجنوب، استعداد لما يبدو عملية برية موسعة في مناطق الشمال.

لكن الرحلة إلى الجنوب لم تكن آمنة، إذ قصفت شاحنة فيها قرابة 100 مهاجر في طريقها للجنوب، وقتلت سبعين شخصا حسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وصلت عائلة حميد إلى الجنوب وذهبوا إلى بيت خالهم محمد الذي استقبلهم بحفاوة على ضوء الشمعة لأن الكهرباء مقطوعة منذ يوم الأحد الماضي في منطقته.

تنقل ميد حديثا دار بينهم وبين الخال محمد لدى وصولهم، إذ يعتبر الخال محمد أن المنظر في الجنوب أشبه بما سرده له جده وهو صغير عن تهجير سنة ١٩٤٨، يقول محمد: "الناس بلا كهرباء أو ماء وبيوتنا امتلأت بأهلنا من الشمال والوسط، وأشعر بالحزن لأن بعض الناس ما زالوا في المدارس أو الشوارع لأن جميع البيوت امتلأت".

وأدى القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السبت ٧ أكتوبر لمقتل أكثر من ٢٠٠٠ فلسطيني حسب وزارة الصحة الفلسطينية منهم حوالي ٥٨٠ طفلا.