"السباك خليل".. عين حماس في مستوطنات غلاف غزة

تروي المستوطنة الإسرائيلية قصة "السباك خليل" في مقطع فيديو صورته في مستوطنة نيتيف هعشاراه في غلاف غزة، وبدت مندهشة وهي تسرد كيف دخل مقاتلو القسام البلدة، مستعينين بخرائط تفصيلية للبيوت.

"قُطعت الكهرباء، المكيف، الانترنت، توقفت الاتصالات.. وجاءت خلية، مع خرائط". وعندما سأل أحد المستوطنين عن مصدر هذه الخرائط، أجابت: "كان لدينا في المستوطنة عامل من غزة يدعى خليل، ذلك الرجل الطيب الجميل، عمل في كل بيت بالمستوطنة سواء في الطلاء أو السباكة، لمدة 30 عاما".

تعليقات القراء العرب على حديث المستوطنة كانت في أغلبها ساخرة، وقال البعض أن "خليل قام بالواجب".

"بلينكس" تمكنت من توثيق حالات أخرى لعمال فلسطينيين في مستوطنات غلاف غزة تجسسوا لصالح حماس وجهازها الاستخباري، وهو ما يفسر جانبا من دقة الهجوم الفتاك الذي شنته كتائب القسام في ٧ أكتوبر.

وتظهر الشهادات كيف تلعب الشبكات الاجتماعية وروابط القرابة الدور الأهم في تجنيد العمال لصالح القسام، فمعظم الذين قدموا معلومات أمنية، كان لديهم أقارب يعملون في حماس أو الأجهزة الأمنية المرتبطة بها، وهو ما يفسر التدقيق الأمني الذي تجريه إسرائيل وجهاز "الشاباك" تحديدا قبل منح العمال تراخيص العمل داخل إسرائيل، إذ يتم فحص أقارب العامل من الدرجة الأولى والثانية إن كانوا يعملون في حركة حماس أو الأجهزة المرتبطة بها، وكثيرا ما يرفض منح تصاريح عمل لأسباب أمنية تحت بند ما يعرف بـ"المؤشر الأمني".

لكن يبدو أن هذه الرقابة الأمنية كانت فاشلة في كشف أقارب العمال من القسام وحماس.

عمال غزة كانوا أصلا ممنوعين من العمل في إسرائيل، وسمح لهم بالدخول فقط في السنوات الأخيرة، وحينها تساءل كثيرون داخل القطاع "كيف سمحت حماس بذلك"، بل وكيف ساعدت العمال في تسهيل الاجراءات المتعلقة بحصولهم على التصاريح الأمنية، وكان لحماس نقاط أمنية عند معبر إيرز تسمى "خمسة خمسة وخمسة أربعة"، مما دفع بالبعض في غزة باتهام الحركة بالتطبيع من خلال العمال، ليتبين أن حماس كانت تبني شبكة عملاء وتؤسس لبنك معلومات في المستوطنات من خلال بعض العمال.

يروي عبد الرحمن زياد لـ"بلينكس"، قصة قريبه، زكريا، الذي كان يعمل في مستوطنة كريات ملاخي التي تبعد 45 كم عن غزة، بمجال البناء والإنشاءات، لـ6 سنوات، قبل أن يرجع إلى غزة في أغسطس الماضي ويُقتل بقصف طال منطقة الشجاعية قبل أيام.

وفي 2020 تزوجت شقيقة زكريا من أحد عناصر كتائب القسام، الذي توطدت علاقته بزكريا بشكل كبير، وبدا وكأنه يجند الأخير للعمل مع حماس، ومن دون مقابل مالي، إذ رفض زكريا تلقي أموالا لقاء المعلومات التي كان يسلمها للقسام، وفق عبد الرحمن.

وبشكل دوري يلتقي زكريا بزوج أخته كأي لقاء عائلي، غير أنه في الحقيقة، كان واحدا من عشرات أو مئات اللقاءات الأمنية التي مكنت حماس من جمع معلومات دقيقة عن المستوطنات والحواجز خلف السياج الفاصل.

يضيف عبد الرحمن، أن زكريا كان حريصا على تقديم كل ما بجعبته لمقاتلي القسام، وساعدهم بفهم التفاصيل الدقيقة لمعبر إيرز والحواجز التي تليه، بالإضافة إلى العديد من حسابات الضباط أو العاملين في أجهزة الأمن الإسرائيلية من الذين عمل لديهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

لا يفكر زكريا بالعودة إلى العمل داخل إسرائيل بعد انتهاء مدة تصريحه، كما يقول عبد الرحمن، فقد كان متخوفا من انكشاف أمره، وتوقع رفض طلب تجديد التصريح في حال تقديمه، إذا تلقت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مؤخرا معلومات عن انتماء أفراد من العائلة لحماس.

يذكر محمد قصة ابن خالته عمار، ابن الـ43 عاما، الذي كان قد طلب تصريح العمل داخل إسرائيل منذ 2021 ، وبعد انتظار دام أكثر من سنة حصل عليه، وبدأ في العمل متنقلا بين عدة مستوطنات حتى اعتقل من عسقلان صباح ٨ أكتوبر ومعه آلاف من العمال الذين تشتبه بهم إسرائيل بتزويدهم حماس بالمعلومات.

ويروي محمد لـ"بلينكس" أن قريبه عمار كان مجندا لصالح استخبارات القسام لنقل معلومات عن هويات المستوطنين ومواقع السلاح في منازلهم، وإن الذي قام بتجنيده هو أحد أقاربه دون أن يكشف عن المزيد من التفاصيل.

يقول محمد إن العمال الفلسطينيين في إسرائيل ممنوعون من التجول بعد السادسة مساء، ويكون هذا بندا ضمن تصريح العمل الذي يحاول الآلاف من الغزاويين الحصول عليه نظرا لسوء الوضع الاقتصادي في القطاع وارتفاع الأجور داخل إسرائيل.

ويقترب متوسط الأجور للعمال في إسرائيل من 1800 دولار شهريا، بينما لا يستطيع العامل في غزة الحصول على %10 من هذا المبلغ.

ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن الجيش الإسرائيلي يحتجز مئات العمال من قطاع غزة، في مواقع عسكرية بالضفة الغربية أبرزها، قاعدة "عناتوت" شمال شرق القدس.

وبحسب الصحيفة، فقد سعى الجيش منذ اليوم الأول لهجوم السابع من أكتوبر إلى تحديد أماكن العمال من غزة، واعتقالهم ثم نقلهم إلى مراكز احتجاز للتحقيق فيما إذا قدم أحد منهم معلومات لحركة حماس، بشأن المستوطنات والمواقع العسكرية في غلاف غزة.

صحيفة "ميكور ريشون" العبرية تساءلت عن كيفية وصول عناصر حماس إلى ثغرات محددة للغاية في بعض المستوطنات، كما لو أن أحدهم رسم خريطة دقيقة لمواقعهم.

وأكدت أن مسؤولين كبار في الشاباك، لديهم مخاوف حقيقية بشأن الكم الهائل من المعلومات التي جمعها المهاجمون، والتي شملت طرق السفر على طرق أوتاف، سديروت والكيبوتسات والكثير من المعلومات الإضافية خلال الهجوم.

وأشارت الصحيفة، إلى أن التحقيقات تجري حول ما إذا كان العمال الذين دخلوا إسرائيل من قطاع غزة، التقطوا صورا وقدموا معلومات عن الوحدات العسكرية والاحتياطية وروتين العمل في المستوطنات.

وبعد حملة الاعتقالات التي شملت الاف، ناشدت نقابة العمال في الناصرة، المحامين والحقوقيين التدخل للدفاع عن العمال العرب بعد أن أوقفتهم العديد من مواقع العمل الإسرائيلية بذريعة تأييدهم لحماس.

تعتبر مستوطنات غلاف غزة بالإضافة لمدن عسقلان والناصرة، الأماكن المفضلة للغزاويين للعمل حيث اعتاد الإسرائيليون هناك على العرب، بخلاف تل أبيب المليئة بالعنصرية، كما يقول الشاب الغزاوي ياسين حجازي لـ"بلينكس".

ويسكن منطقة غلاف غزة أكثر من 45 ألف مستوطن إسرائيلي، موزعون على ثلاث مجالس إقليمية تابعة للحكومة تدير 45 مستوطنة ومدينة أبرزها سديروت وزيكيم ونحال عوز ومدن عسقلان وأسدود وديمونا.

ويعمل في إسرائيل 18500 عامل من غزة، بحسب الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في القطاع، الذي طالب في يونيو الماضي الوسطاء بالضغط على إسرائيل لرفع العدد إلى 30 أل.

تعرضت إسرائيل لخرق أمني كبير تمثل لاغتيال وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق بالقدس في ٢٠٠١، ردا على اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة، في الحقيقة كان مصدر معلومات الجبهة هو عامل فلسطيني يعمل في فندق حياة ريجنسي القدس.

من يومها زادت الاجهزة الأمنية الإسرائيلية من تدقيقها في الملفات الامنية للعمال الفلسطينيين، وكثيرا ما اعتقلت عمالا تشتبه بصلاتهم بحركات المقاومة الفلسطينية وحماس، وهذا قبل هجوم ٧ أكتوبر.

داخل إسرائيل، كثيرا ما اتهمت أوساط إسرائيلية العمال المعتقلين يجمع معلومات استخباراتية للحركة على الرغم من حيازتهم تصاريح العمل التي لا توافق عليها السلطات الإسرائيلية إلا بعد بحث وتدقيق أمني طويل الأمد.

وترفض إسرائيل وجهاز الامن الداخلي "الشاباك" الآلاف من طلبات العمل للفلسطينيين من غزة تحت بند "الموشر الأمني"، رغم استيفائهم الشروط الأخرى، من ضمنها أن يتجاوز العامل عمر 25 سنة وأن يكون متزوجا.