سياسة
.
الصعق بالكهرباء، الضرب، الدعس على الرؤوس، الركل، التجريد من الملابس بالكامل، تعصيب العينين، تكبيل اليدين والرجلين، التعرض للهجوم من قبل كلاب بوليسية، الحرمان من الطعام والماء وأدوات النظافة، وفي بعض الحالات التعذيب حتى الموت.
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة تقوم بفحص دقيق جداً لطلبات تصاريح الدخول للعمل
هكذا تعاملت إسرائيل مع أكثر من 4000 عامل مدني من غزة اعتقلتهم لمدة 25 يوماً بشكل تعسفي دون محاكمة أو أدلة إدانة، بحسب رواية العديد منهم بعد أن أفرجت إسرائيل يوم الجمعة عن نحو 3200 عامل معتقل وطردتهم لغزة. فما القصة؟ وما الذي حدث؟
منذ عام 2019، وضمن تفاهمات تهدئة بين إسرائيل وحركة حماس، سمحت السلطات الإسرائيلية لبعض العمال من غزة بالدخول للخط الأخضر لكسب قوت يومهم. العدد الأولي كان بضع مئات، ثم تنامى لأن أصبح نحو 17 ألف عامل هذا العام.
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة تقوم بفحص دقيق جداً لطلبات تصاريح الدخول للعمل، ولا تسمح لأي شخص على صلة بحماس أو أي من الفصائل المسلحة الأخرى بالدخول. لذلك، جميع أولئك العمال كانوا بإقرار السلطات الإسرائيلية مدنيين فقط.
لكن بعد شن حماس عملية "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر الماضي، سارع السلطات الإسرائيلية لاتخاذ خطوات عقابية ضد جميع سكان قطاع غزة، حيث أعلنت منع دخول الطعام والماء والدواء والكهرباء والوقود بشكل كامل. وطالت تلك الإجراءات التعسفية العمال على الفور، بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية إلغاء جميع تصاريح دخولهم للخط الأخضر ما جعلهم من وجهة نظر القانون الإسرائيلي متسللون أو مقيمون بشكل غير شرعي.
وعلى الفور قامت الشرطة الإسرائيلية بشن عدة حملات مداهمة لأماكن تجمع أولئك العمال، سواء في مساكنهم أو أماكن عملهم، وقامت بطرد بعضهم نحو الضفة، بينما احتجزت ما يزيد عن 4000 عامل بدون تهمة أو محاكمة لفترة غير محددة بذريعة التحقيق معهم للنظر في إن كان ساند بعضهم حركة حماس أو أمدها بالمعلومات.
أحد العمال قال إنه كرر للضباط الإسرائيليين بأنهم مجرد عمال مدنيين، فكانت إجابة الضباط "نحن نعلم، ولكن غزة هي من فعلت بكم هذا".
بحسب شهادات جمعتها منظمة حقوقية، مباشرة بعد السابع من أكتوبر، قام أرباب العمل الإسرائيليون برفض دفع مستحقات عمالهم المالية، وأقبل بعضهم على إهانة العمال الغزيين.
العمال قالوا إن "الكابلان" أو أرباب العمل هم من أبلغوا عنهم في العديد من الحالات وأعطوا الشرطة الإسرائيلية معلومات عن أماكنهم.
العمال يروون أيضاً قيام عناصر الشرطة والجيش بضربهم "بلا رحمة" عند اعتقالهم واقتيادهم لأماكن الاحتجاز، بما في ذلك مهاجمتهم بكلاب بوليسية، وركلهم وإشباعهم ضرباً بالعصي.
بعد ذلك، تم تقييد أيدي وأرجل المعتقلين وعصب أعينهم لأيام، وتمت تعريتهم من جميع ملابسهم بينما قام الجيش والشرطة وجهاز الشاباك الاستخباري الإسرائيلي باستجوابهم للحصول على أي معلومات عن أنشطة حماس في غزة.
العمال يقولون أيضاً إنهم تعرضوا للضرب والتعذيب أثناء الاستجواب بما في ذلك الصعق الكهربائي. وقال أحد العمال بأنه أُلقي القبض عليه الساعة التاسعة والنصف صباحاً، وبقي ملقاً على الأرض معصوب العينين مقيد الأيدي والأرجل حتى فجر اليوم التالي بينما انهال عليه الجنود بالضرب طوال تلك المدة.
وأشار آخر أنه تعرض للضرب على يد 12 جندياً، قاموا بتجريده من ملابسه وربطه في ساحة ووضع غطاء على رأسه وانهالوا عليه ضرباً بينما قاموا بسؤاله عن منصات إطلاق صواريخ حماس في غزة.
العمال قالوا إن الجنود الإسرائيليون أجبروهم على ارتداء تلك الأساور البلاستيكية طيلة فترة الاعتقال حيث تم استعمال تلك الأرقام بديلاً عن أسمائهم.
البعض اعتبر أن الأمر صادم ونزع لصفة المعتقلين الآدمية، لأن مثل تلك الأساور البلاستيكية تستعمل عادةً في حظائر الحيوانات لتمييزها.
بعض شهادات العمال أشارت لممارسات مروعة ارتكبها الجنود والضباط الإسرائيليون ضدهم، كطرحهم أرضاً وركل رؤوسهم أو التبول عليهم. أحد العمال قال بحسرة إن جنوداً "في نفس عمر أولادي بطحونا وضربونا وتبولوا علينا".
وقال آخر أثناء إجهاشه بالبكاء بأنهم تم منعهم من دخول الحمامات أو الحصول على أي وقت للنظافة الشخصية سوى مرتين طوال فترة الاعتقال.
بعد الاعتقال، قامت السلطات الإسرائيلية بتوزيع العمال على مختلف السجون ومراكز الاحتجاز. وتم وضعهم بأعداد كبيرة في غرف بدائية "كأقفاص الدجاج" على حد تعبير أحدهم الذي قضى مدة اعتقاله بجوار سجن عوفر.
وأفاد أحد العمال لدى عودته لغزة بأنه تم اقتياده لسجن لاهافيم وتعرض للتعذيب والاستجواب لثلاثة أيام، ومن ثم وضعه الجيش في معسكر اعتقال في العراء محاط بسياج شبكي حديدي مساحته لا تتجاوز 700 متر مربع، وكان معه في ذلك المعسكر نحو 400 شخص آخر.
وقال آخر بأنهم كانوا في معسكر اعتقال شديد البرودة نحو 150 شخص، وكان ذلك المعسكر عبارة عن غرفة "بركس" كبيرة أي مستودع جدرانه وسقفه من معدن مقوى. وأضاف بأن رائحة تلك الغرفة عند وصولهم إليها كانت لا تطاق وبدت كما لو كانت رائحة روث دجاج أو أرانب.
العمال يروون تجارب مريرة مع الحرمان من الطعام والشراب والدواء. بعضهم كانوا كباراً في السن ويعانون من أمراضٍ مزمنة مختلفة، لكن ذلك لم يشفع لهم.
"كانوا يعطون خيارة واحدة لست أشخاص، ورغيف خبز بيتا" هكذا وصف أحدهم ظروف الاعتقال، وقال آخر إنهم بالكاد حصلوا على صحن صغير من المربى تشارك فيه عشرة أشخاص.
طوال فترة الاعتقال، منع العمال من الحصول على أي أخبار أو معلومات عما يحدث خارج معسكرات الاعتقال أو التواصل مع محامين أو ذويهم أو الصليب الأحمر.
لذلك عند طردهم لغزة، قال العديد منهم إنه ليس لديهم أدنى فكرة عما كان يحدث لأهلهم في غزة أو إن كان أهلهم على قيد الحياة. ولا يعلمون مستوى القصف الإسرائيلي الذي محى أحياءً سكنية بأكملها أو أي من ملابسات الحرب.
العمال يذكرون أن أسوأ مراكز الاعتقال كان سجن رهط، حيث يروي أحد العمال أن رجلاً من عائلة العطار مات نتيجة التعذيب.
وتقول منظمة حقوقية إن عاملاً يدعى "منصور نبهان ورش أغا" قتل أيضاً نتيجة التعذيب الإسرائيلي.
أحد العمال الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب وجد نفسه مطروداً للضفة الغربية بعد أسبوعين على اعتقاله. وعلى الرغم من مرور أكثر من 14 يوماً على الإفراج عنه، إلا أن كلتا يديه ما زالت تبدوا عليهما علامات تعذيب واضحة وتقرحات من أثر تقييده بشدة لدرجة نزع الجلد على معصميه، بحسب صورة التُقطت له.
وروى الصحفي الدنماركي نجيب خاجة أن ذلك الشاب الذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفاً من تعريض نفسه للخطر بأن السلطات الإسرائيلية أبقته مجرداً من ملابسه معصوب العينين طوال تلك المدة كاملة.
العديد من العمال ظهرت عليهم آثار تعذيب مشابهة، وقال أحدهم بأنه لا يستطيع تحريك يده من شدة الضرب.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة