استراتيجية إسرائيلية جديدة في جنوب غزة؟

في ملامحها العريضة، ربما تتشابه خُطة اجتياح جنوب غزة بخطة اجتياح الشمال التي بدأ تنفيذها أواخر أكتوبر الماضي، إلا أن القوات الإسرائيلية سوف تواجه تحديات جديدة، بداية من الكثافة السكانية المرتفعة ووصولا لطرق التعامل مع شبكة أنفاق غزة الشهيرة، إذ أن بعض الاستراتجيات التي استخدمت في الشمال لن تفلح في الجنوب.

فعلى سبيل المثال، تعمدت القوات الإسرائيلية في معركة الشمال أن تظل بعيدة عن الأنفاق الأرضية، مع تفجير مداخلها في حالات عديد لمحاولة منع حماس من استخدامها، ولا يمكن تطبيق الأمر ذاته في الجنوب، حيث يصعب على القوات تمييز الأنفاق التي يمكن تدميرها بأمان، وتلك التي قد يعرض تدميرها حياة الأسرى للخطر، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

من المرجح أيضا أن تكثف إسرائيل أولا من ضرباتها الجوية على كلا من خانيونس ورفح في الجنوب قبل أن يبدأ تقدم القوات البرية، فيقول إيال بينكو، العسكري الإسرائيلي المتقاعد والمسؤول الاستخباراتي السابق، عن مهمة القوات الإسرائيلية في الجنوب: "سوف يتحركون ببطء..وسوف يقصفون من الجو والبحر والبر أولا، ثم تأتي المشاة والدبابات".

كما لم تحقق إسرائيل هدف القضاء على حماس بشكل نهائي من خلال اجتياح الشمال فإنها لم تصل أيضا إلى قادة حماس التي تعتبرهم منذ شهر "في عداد الأموات مثل يحي السنوار أو محمد ضيف، قائد حماس العسكري الذي يُعزى إليه تنظيم هجوم السابع من أكتوبر.

عبر السيطرة على الجنوب أيضا، تسعى إسرائيل لتطويق هؤلاء القادة ومنع وصول الأسلحة إليهم، بالإضافة إلى الحول دون فرارهم.

على الجهة الأخرى من الأطلسي، يحاول مسؤولون أميركيون حث إسرائيل على تأخير التقدم جنوبا حتى وضع خطط لحماية المدنيين في المنطقة، وفي مقابلة تليفزيونية قال جوناثان فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي: "نعتقد أن عملياتهم (إسرائيل) لا ينبغي أن تمضي قدما حتى يتم أخذ هؤلاء الأشخاص (المدنيين) في الاعتبار".

وأضاف أنه يتعين على إسرائيل تضييق منطقة القتال الفعلي وتوضيح الأماكن التي يمكن للمدنيين اللجوء إليها هربا من القتال.

في بداية النزاع، كانت إسرائيل قد لوحت بمنطقة في قطاع غزة تُسمى المواصي وتقع بالقرب من الساحل الجنوبي، في تلك الأثناء أشارت لها إسرائيل باعتبارها "منطقة آمنة" على المدنيين أن يلجأوا إليها.

إلا أن اعتبار المواصي وجهة ملائمة الآن لما يتخطى ٢ مليون نسمة أمر لا يروق للهيئات الأممية وخاصة منظمة الصحة العالمية التي وصفت اقتراحات إسرائيل فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة بإنها "وصفة كارثية"، وأكد رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس أن محاولة جمع هذا العدد من المواطنين في تلك المنطقة الصغيرة ذات البنية التحتية الضعيفة يزيد من "المخاطر الصحية للأشخاص الذين هم بالفعل على حافة الهاوية" على حد وصفه.

بالتزامن مع الحديث عن التوجه جنوبا، طرحت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية غيلا غملئيل المنتمية لحزب الليكود، رؤية أخرى بعيدا عن المواصي، إذ توصي بتشجيع ما أسمته "إعادة التوطين الطوعي" للفلسطينيين خارج قطاع غزة، وفقا لوكالة فرانس برس.

وفي السياق ذاته، انتقدت غملئيل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قائلة: "بدلا من إرسال الأموال لإعادة إعمار غزة أو للأونروا الفاشلة، يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد في تمويل إعادة التوطين ومساعدة الغزيين على بناء حياتهم الجديدة في بلدانهم المضيفة الجديدة".

لكن دول الجوار لا تُبدي حماسة أبدا لخيار إعادة التوطين.

ففي جنوب غزة يعتبر معبر رفح هو السبيل الوحيد إلى مغادرة القطاع المحاصر، إلا أن المعبر يستخدم فقط في خروج الأشخاص مزدوجي الجنسية والأجانب من القطاع.

في سياقات متعددة أعلنت مصر رسيما رفض "التهجير القسري" للفلسطينيين كما استبعدت نقل سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منتصف شهر أكتوبر الماضي: "نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني.. نقل فكرة المقاومة والقطاع من غزة إلى سيناء.. ستصبح بالتالي قاعدة لانطلاق عمليات ضد إسرائيل التي من حقها الدفاع عن نفسها".

موقف الأردن أيضا لا يختلف كثيرا، إذ وصف العاهل الأردني الملك عبد الله "التهجير القسري" أو "الداخلي" للفلسطينيين بـ"جريمة حرب" وذلك في كلمته أثناء قمة القاهرة الدولية للسلام أكتوبر الماضي.