إسرائيل تحاول إنقاذ اقتصادها.. تسريح آلاف جنود الاحتياط

حشد وتعبئة 360,000 جندي وضابط احتياط أمر مكلف اقتصادياً على صعيدين، الأول هو نفقات رواتب الجنود وعتادهم وما يحتاجونه في المعارك من طعام وشراب ومأوى وحوافز، والثاني تكلفة غياب هذا العدد الهائل من الأيدي العاملة عن وظائفهم.

من السهل التنبؤ بالتكلفة الأولى بدقة، إذ قدرت سي إن إن أن إسرائيل تحتاج لنحو 46 مليون دولار يومياً لرواتب جنود الاحتياط فقط، أي حوالي 1,4 مليار دولار شهرياً.

لكن التكلفة الأخرى للاقتصاد هي الأهم، لأن لها أثر كرة الثلج المتدحرجة. فمثلاً غياب آلاف العمال عن القطاع الزراعي قد يؤدي لانكماش إنتاجيته بشكل كبير، ما يعني ارتفاع الأسعار الأساسية وموجات التضخم التي تؤدي بدورها لتسريح المزيد من العمال من قبل الشركات لضغط النفقات.

أيضاً، تغيب العمال عن عملهم، وانخفاض إنتاجية الاقتصاد، يعني تدهور إيرادات الحكومة الضريبية، وهو ما من شأنه أن يضعف من قدرتها على تمويل الحرب.

لذلك، لم تستطع إسرائيل الاحتفاظ بهذا العدد الكبير من جنود الاحتياط سوى لشهرين فقط، قبل اتخاذ قرار تسريح الآلاف منهم واستبدالهم بآخرين.

ولكن القناة 12 تقول إن الجيش طلب من جنود الاحتياط العائدين لمنازلهم وأعمالهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد في حال توسع المواجهة العسكرية. وأشارت إلى أن 5 فرق عسكرية تعمل حالياً في قطاع غزة.

قطاع الهاي تك التكنولوجي الإسرائيلي يعتبر البطة التي تبيض ذهباً. إذ إن صناعة التكنولوجيا مسؤولة عن أكثر من 50% من صادرات إسرائيل، وحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وتساهم بنحو 30% من إيرادات ضرائب الرواتب الحكومية، علاوة على توظيفها ما يقارب 11% من القوى العاملة في البلاد.

لكن مع نشوب الحرب على غزة، انقطع نحو 70,000 من موظفي قطاع الهاي تك الإسرائيلي عن عملهم لالتحاقهم بصفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يعادل تقريباً 20% من القوى العاملة في هذا القطاع البالغ عددهم نحو 400,000. ويشكل غياب هذا العدد الكبير خطراً على اقتصاد إسرائيل في حال طال أمد الحرب لأشهر.

80 مليار شيكل (نحو 21 مليار دولار) هي التقديرات الأخيرة لتكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة، بالإضافة لتوقع بأن يصل العجز في موازنة العام القادم لحوالي 115 مليار شيكل (نحو 31 مليار دولار)، بحسب القناة 12 الإسرائيلية وموقع Global المحلي.

هذه التقديرات تشمل نفقات الحرب المباشرة والأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب. على سبيل المثال، خصصت الحكومة الإسرائيلية 30 مليار شيكل (8,1 مليار دولار) للحرب في شهر أكتوبر، 20 منها ذهبت للجيش، و5 ذهبت للحكومة لمساعدة السكان بما في ذلك عمليات الإجلاء، و4,5 في إطار خطة تعويض أولية للمتضررين. هذا الرقم يمثل ما يقارب 4 أضعاف جميع خسائر إسرائيل في حرب 2014 على غزة، المقدرة بنحو 2.5 مليار دولار بالمجمل، وحرب لبنان 2006 التي بلغت تكلفتها نحو 2.4 مليار.

قطاع البناء والتطوير العمراني كان من أبرز القطاعات التي تعرضت لضربات قاسية بعد السابع من أكتوبر، إذ أُصيبت مواقع البناء بالشلل.

القناة 12 الإسرائيلية تقول إن نحو 75% من عمال قطاع البناء في إسرائيل "مفقودون بشكل روتيني". فما يزيد على 60 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية ممنوعون من دخول إسرائيل منذ بداية الحرب، وتم اعتقال أو طرد ما يزيد عن 16,000 عامل من غزة. أيضاً غادر إسرائيل نحو 6000 عامل أجنبي من أصل 16,000.

بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت فقد بذلت إسرائيل في أعقاب الحرب جهداً كبيراً لجلب آلاف العمال الأجانب من الخارج ليحلوا محل الفلسطينيين، لكن هذا الجزء لم ينجح حتى اللحظة. الصحيفة تقول إن الحكومة وافقت على استقدام 10 آلاف عامل بناء عبر 49 شركة متخصصة في استقدام العمال من الخارج، لكن هذا أيضاً لم يحدث بعد.

هذا الأمر دفع الحكومة الإسرائيلية لإعادة النظر في السماح لعمال فلسطينيين بالعودة لسوق العمل الإسرائيلي. جهاز الشاباك والأجهزة الأمنية يؤيدون ذلك، لكنهم يوصون بأن يتم نقل العمال بحافلات لمواقع العمل مباشرة ومنعهم من التجول بحرية في إسرائيل. ويرون بأن جلوس عشرات آلاف العمال الفلسطينيين في منازلهم دون مصدر دخل قد يؤدي لانعدام الاستقرار في الضفة الغربية.

وتقول الصحيفة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يميل لتبني رأي الأجهزة الأمنية، لكن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير يعارض الأمر هو وجهاز الشرطة الذي يقوده، ويقول إنه لا يمكن ضمان أن يكون لدى بعض العمال مشاعر غضب دفينة مما يحدث، تدفعهم لمهاجمة إسرائيل أثناء وجودهم بداخلها (على الرغم من عدم وقوع أي هجمات عنيفة من قبل العمال الفلسطينيين في السنوات الماضية).

رؤساء البلديات يقفون في صف بن غفير، في معارضة عودة العمال الفلسطينيين ويدفعون من أجل حل طويل الأمد من خلال العمال الأجانب من الخارج، حيث قال أحدهم في المناقشات الداخلية: "لا أحد يعرف من هم، وما إذا كان لديهم أقارب قتلوا في غزة. إنهم نوع من القنبلة الموقوتة".

ولكن مسؤولا كبيرا في الحكومة قال إنه لو كان آلاف العمال الأجانب يصلون بالفعل من الخارج لما طلب عودة الفلسطينيين، لكن في الوقت الحالي لا يصلون بهذه السرعة، وفي هذه الأثناء تعيش الصناعات المختلفة أزمة حادة، خاصة صناعة البناء.