كيف تستغل إسرائيل الرموز الدينية في غزة؟

في الأيام الأولى للحرب على غزة، أدلى نائب الكنيست البارز سمخا روتمان، مهندس التعديلات القضائية المثيرة للجدل، بتصريح قال فيه إن "الحرب لن تنتهي إلا بشرط واحد، وهو أن يتمكن أي طفل إسرائيلي يهودي من المشي في شوارع غزة الرئيسية في قلب المدينة، دون أن يعترض طريقه أحد".

العبرة ليست في دخول اليهود إلى غزة، إذ استقبل القطاع في السابق وفوداً من يهود متضامنين مع القضية الفلسطينية وشخصيات عامة يهودية، مثل القاضي ريتشارد جولدستون والصحافية عاميرة حاس من هآرتس، والموسيقار دانيل بورنهام الذي تقدم للحصول على جواز سفر فلسطيني رمزي تعبيراً عن تضامنه مع القضية.

لكن ما طرحه الوزير هو استعارة عن السيطرة على القطاع.

لذلك، رفع الشمعدانات ورسم نجمة داوود وغيرهما، إذ تتضمّن مثل تلك الأفعال رسالة تعبّر عن بسط السيطرة على غزة.

يوم الأربعاء 29 نومفبر، وضع الجنود الإسرائيليون شمعدان مينوراه كبيرا أمام مبنى كلية طب الجامعة الإسلامية، والتقطوا بجواره الصور وكتبوا كتابات بالعبرية ورسموا نجمة داوود على حوائط المبنى قبل لحظات من تفجيره ونسفه أمام الكاميرات والابتهاج فرحاً بانهيار الجامعة.

مقطع الفيديو ذلك نقله الصحافي ينون ميغال ليقول من خلاله إن الجيش الإسرائيلي ينتصر في المعركة.

وفي مقاطع أخرى ظهر الجنود وهم يرفعون شمعدانات كبيرة على أسطح بيوت مهجورة في غزة، في حين قامت الدبابات الإسرائيلية بحفر نجمة داوود بعد تجريف ساحة الكتيبة الخضراء في وسط غزة بجوار جامعتي الأزهر والإسلامية بعد تدميرهما.

ورسم الجنود نجمة داوود عدة مرات على المنازل، باعتبار ذلك نوعا من الغرافيتي، وكتبوا فوقها عبارات كراهية أو انتصار.

وفي صور أخرى، ظهر الجنود الإسرائيليون وهم يرتدون الملابس الدينية "الشول والتفلين" في استعداد لإقامة صلوات توراتية في مدرسة تحت سيطرة هيئة الأونروا التابعة للأمم المتحدة.

أحد أهداف مثل تلك المواد، بحسب مراقبين ونشطاء، هو تقديم صور انتصار ميداني للجيش الإسرائيلي عبر تصوير الجنود وهم مطمئنون في شوارع وبيوت غزة، على الرغم من أن الاشتباكات والمعارك ما زالت قائمة في أغلب تلك المناطق.

"الهدف الآخر للصور التي يتداولها الجنود الإسرائيليون هو استعراض السيطرة والغزو الاستعماري"، بحسب الكاتب اليهودي ساشا سيندروفيتش.

فعندما التقط الجنود الإسرائيليون الصور أمام مبنى كلية طب الجامعة الإسلامية، قاموا أيضاً بكتابة عبارة "إنها لنا الآن" بجوار شمعدان مينوراه الكبير، قبل تفجير المبنى.

وتعمد الجنود الإشارة إلى رفع شمعدانات مينوراه في كل من بيت حانون والشجاعية أي شرق وشمال غزة.

وتُعد الشجاعية إحدى أقوى الجبهات، إذ ما زالت المعارك تدور فيها.

الأمر لم يتوقف فقط على مباني الفلسطينيين، بل استولى الجيش الإسرائيلي على مقر اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، التي تُعد بعثة دبلوماسية، على الرغم من مساعدة قطر لإسرائيل في استعادة أسراها. وقام الجنود برسم نجمة داوود على المبنى.

الجنود الإسرائيليون لم يكتفوا بوضع الشمعدانات أو رسم نجمة داوود على المنازل، بل قاموا بتنصيب كنيسين يهوديين "حباد" في تلك البيوت، ورفعوا على أحدهما شعار "بيت حباد غزة". وقامت منظمة Chabad.org الدينية بمباركة ما فعله الجنود ونشره بشكل إيجابي.

بحسب المؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي يائير والش فإن المستوطنات الإسرائيلية عادةً ما بدأت بتأسيس دار عبادة "حباد" أولاً، ومن ثم بناء بؤرة استيطانية حولها، لتتحول لمستوطنة كاملة ورسمية تدريجياً.

بحسب الكاتبة الأميركية اليهودية لاورا أكيندز، فإن الحاخام لوبافيتش كان "معارضاً بشدة للتنازل عن أرض غزة للفلسطينيين، ويعتبر الكثير من أتباعه اليوم أن تفكيك مستوطنة غوش قطيف في 2005 كان عدواناً على حق اليهود للأرض. لذلك إعادة غزو غزة إذا صح القول هو منسجم مع تلك المعتقدات".

هذه العقيدة منتشرة بكثرة في أوساط اليمين الإسرائيلي منذ سنين. فقبل بدء الحرب الإسرائيلية على غزة بما يقارب العام، وعشية تشكيل الحكومة الإسرائيلية، اصطحب الوزير المتطرف بتسلائيل سموتريتش عائلته لمتحف غوش قطيف الذي يخلد ذكرى المستوطنات في غزة.

وكتب سموتريتش في كتاب الزوار: "عشية تشكيل حكومة صهيونية يهودية قومية، جميع العائلة جاؤوا هنا للتذكر لا للنسيان، غوش قطيف لتخليد أرواح مستوطنيها وحب الأرض والتوراة والناس وجريمة تدميرها التي لا تغتفر، أصبحت جزءًا من تاريخ هذه الأمة ومسار مستقبلها، سنتذكر وسنعود".

العديد من الوزراء ونواب الكنيست أدلوا بتصريحات مشابهة قبل أشهر طويلة من بدء الحرب مثل وزيرة المستوطنات أوريت ستروك والنائبة ليمور سون هار ميليخ.

ولكن بعد اندلاع الحرب، أصبحت تلك الشعارات أكثر ظهوراً وترديداً على ألسنة الإسرائيليين وجنودهم في غزة وفنانيهم. مثل المغني خنان بن عاري الذي غنى وسط الجنود في قاعدة عسكرية "نحن نعود لغوش قطيف".

وأطلقت هيئة يشا الاستيطانية التي تمثل مستوطني الضفة الغربية والقدس المحتلة حملة رسمية لإعادة استيطان غزة وبناء غوش قطيف، في حين ظهرت مقاطع فيديو لجنود وضباط إسرائيليين وهم يخطبون أمام الكاميرات أن استيطان غزة قادم. وقال أحدهم: "شعب إسرائيل، نحن أمام لحظة تاريخية. لدينا خياران: إما إعادة بناء غوش قطيف وإما الأنفاق والقتل. قولوها معاً لقادتكم، جنود إسرائيل يريدون غزو واستعمار هذا المكان".

صور الشمعدانات ونجمة داوود لم تلق الترحاب من الجميع في إسرائيل وخارجها، بل أثارت بعض الانتقادات من التيار الصهيوني الليبرالي والعلماني.

"حتى ولو كانت، تأسيس الجنود الإسرائيليين لأول بيت حباد في غزة هو عمل غير مهني. هذا الأمر لا علاقة له بخلع حماس، وفي الواقع من شأنه أن يفجر مزيداً من الغضب في غزة وخارجها. ببساطة هذا ليس بيتكم"، هكذا علق الكاتب اليهودي الكندي بن موراين.

بينما وصفت الكاتبة لاورا أكيندز تلك الصور بأنها "غير مسؤولة بشكل عملاق"، مضيفة "أنا لا أبالغ عندما أقول بأن هذا الأمر يعرّض حياة اليهود للخطر".

وقال ساشا سيندروفيتش "تحويل الحباد لبؤرة استيطانية استعمارية فوق أنقاض غزة في مكان قُتل فيه 20,000 شخص وتم تهجير مليوني فلسطيني، هذا ليس جيداً لأي أحد، وليس جيداً لليهود الذين يعتمدون على دور الحباد حول العالم. الجيش الإسرائيلي يجعل من دور الحباد هدفاً بهذا الشكل".