نتنياهو يسبح عكس التيار

قبل ما يزيد على شهرين، تراكمت بيانات الإدانة العالمية لهجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل، مشفوعة بتأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

الآن، يبدو أن الرياح لا تسير لما تشتهي سفن إسرائيل، بعد ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة نتيجة الهجوم الإسرائيلي الممتد منذ السابع من أكتوبر إلى نحو ٢٠ ألف قتيل.

ففي الـ١٧ من ديسمبر الجاري أصدروزير الخارجية البريطاني ونظيرته الألمانية بيانا مشتركا، أكدا فيه الحاجة العاجلة إلى تحقيق "وقف دائم لإطلاق النار" في قطاع غزة، وشجعا إسرائيل على إنهاء عمليتها العسكرية ضد حماس بشكل سريع، ودائم أيضا.

وفي أثناء زيارتها لتل أبيب، دعت وزيرة الخارجية الفرنسية بدورها إلى "هدنة جديدة فورية ومستدامة"، كما عبرت عن قلق بلادها إزاء الوضع في قطاع غزة.

حتى الولايات المتحدة، باتت لديها علامات استفهام على عملية إسرائيل العسكرية، على الرغم من أنها تحصنها بفيتو حاضر دائما في مجلس الأمن.

فبعد سلسلة من الزيارات الرسمية من مسؤولين أميركيين إلى تل أبيب، بداية من أنتوني بلينكن وزير الخارجية، وجايك سوليفان مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة، وصل أخيرا لإسرائيل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي تستهدف زيارته الضغط في سبيل إنهاء مرحلة القتال المكثف في القطاع المحاصر.

نتنياهو لا يواجه ضغوطا خارجية فقط، في الداخل الإسرائيلي يبدو كل شيء مشتعلا أيضا، خاصة بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، مقتل 3 أسرى عن طريق الخطأ في قطاع غزة، الأمر الذي استقطب موجة مظاهرات جديدة تدعو لوقف القتال وبدء مفاوضات من أجل إطلاق سراح بقية الأسرى.

وبينما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، تحمله المسؤولية عن مقتل الأسرى في كلمة مصورة الأحد، بحسب شبكة سي إن إن، مؤكدا أن قواته ستبذل قصارى جهدها لمنع تكرار تلك الحوادث في المستقبل، يُشار في إسرائيل إلى تهرب نتنياهو من إظهار رد فعل رسمي.

ففي مقال نُشر على صحيفة هآرتس الإسرائيلية، انتقد الصحفي يوسي فيرتر، نتنياهو لعدم ظهوره يوم الجمعة، ليتحمل مسؤولية "الفشل التكتيكي" الذي أدى إلى مقتل الأسرى الثلاثة، أو حتى إعلان مسؤوليته المباشرة عن حياة بقية الرهائن في قطاع غزة.

انتقاد فيرتر نتنياهو يأتي بسبب عدم اضطلاعه بمهمة إعلان نبأ مقتل الأسرى أو حتى التعليق عليه الجمعة في كلمة مصورة، كان من الممكن بثها في الوقت المناسب، إلا أن الصحفي الإسرائيلي يعتقد أن هذه هي عادة نتنياهو.

ويقول فيرتر: "لقد ربط نتنياهو نفسه دائما بالنجاح. وعندما يتعلق الأمر بالفشل، يلقي باللوم على الآخرين، لقد حول تلك الممارسة لشكل من أشكال الفن".

حتى الآن، يقاوم نتنياهو للمضي بالقتال في الطريق الذي أعده سلفا، فيتصدى للدعوات الشعبية المتعلقة بوقف إطلاق النار والسماح بالمفاوضات لإعادة الأسرى، فما زال يرى أن "الضغط العسكري" ضرورة لإعادة الأسرى، بحسب تقرير أعدته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

فقال نتنياهو في مؤتمر صحفي: "لولا الضغط العسكري، لم نكن لنتمكن من إنشاء إطار أدى إلى إطلاق سراح 110 رهائن، ومن خلال الضغط العسكري المستمر فقط سوف نتمكن من إطلاق سراح جميع الرهائن".

بالإضافة إلى الضغوط المتعلقة بالأسرى، يواجه نتنياهو الضغوط المتعلقة بالخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي التي قُدرت بنحو ١٢١ ضابطا وجنديا حتى يوم الأحد الموافق ١٧ ديسمبر، وفقا لوكالة رويترز.

تخطت خسائر العملية العسكرية الحالية آخر اجتياح بري لقطاع غزة في عام ٢٠١٤، الذي أسفر عن مقتل ٦٦ عسكريا فقط.

لكن في حين تلوح في الأفق محادثات بشأن اتفاق أسرى جديد، يرى الباحث بمركز الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة الوطنية الأسترالية، إيان بارميتر، أن لدى نتنياهو أسبابا تدفعه إلى الإصرار على استمرار القتال، وذلك وفقا لمقال نشره الباحث على موقع ذا كونفيرزيشن.

بمجرد أن تُطلق الرصاصة الأخيرة وتتوقف الغارات، يبدأ نتنياهو مباشرة رحلة خاصة مع التحقيق بشأن الثغرات الأمنية التي أدت في الأصل إلى وقوع هجوم السابع من أكتوبر، التي يعتقد "بيبي" أن شقا أكبر من اللوم فيها سيقع على عاتقه.

ويرجح بارميتر، أن نتنياهو يدرك أن فرصته الوحيدة للاحتفاظ بمنصبه هي الالتزام بتحقيق هدفه الأصلي المعلن من الحرب على غزة، وهو القضاء نهائيا على حماس.

ومن ثم يتعلق مصير نتنياهو -كما يصف الأكاديمي- بالعثور على رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار وقائدها العسكري مُحمد الضيف، في تلك الحالة فقط قد يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من تبرئة ساحته.