سياسة
تتصاعد أزمة الإضرابات في قطاع التعليم بالمغرب، رغم توقيع اتفاق بين الحكومة والنقابات التعليمية في المغرب هذا الأسبوع، إذ يواصل أساتذة التعليم في المدارس العامة إضرابهم لليوم الرابع، بعدما اعتبروا أن الاتفاق المبرم غير كافٍ ولا يحل المشكلة بل يؤجلها فقط.
ولجأ أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي في المغرب للإضراب منذ بداية العام الدراسي، بسبب رفضهم نظاما جديدا أقرته الحكومة المغربية لتوظيف ومواصلة مهام أساتذة التعليم العام (الحكومي)، يقوم على عدم إدماج الأساتذة بشكل رسمي في الكادر الوظيفي التعليمي وإضافة مهام جديدة لهم وفرض عقوبات عليهم.. فما هي أزمة معلمي المغرب؟
تفجرت الأزمة عام 2016 عندما أقر المغرب في نهاية ولاية رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي "نظام التعاقد" لأساتذة التعليم، الذي يقضي بعدم إدماجهم مباشرة في الوظيفة العمومية، بل عن طريق توظيفهم بوساطة عقد عمل حر.
وأضيف إلى هذا النظام، ما توجهت إليه الحكومة المغربية من "إصلاح نظام التعليم" بتوجيهات من البنك الدولي، أطلقت عليه "النظام الأساسي" الذي يضع الأستاذ المغربي في قلب الخصخصة، ويمنع إدماجه في الوظيفة العمومية.
لكن الحكومة أعلنت، الثلاثاء، توقيع اتفاق مبدئي مع النقابات التعليمية ينص على مراجعة "النظام الأساسي الجديد" ويتضمن إجراءات هي:
وعلى عكس التوقعات، لم تهدأ الأمور لعدم اقتناع التكتلات الجديدة التي تشكلت بفعل الأزمة لتمثيل الأساتذة في المفاوضات الرسمية بديلة عن النقابات بمضمون الاتفاق.
يقول مصطفى الكهمة، عضو لجنة إعلام التنسيقية الوطنية للأساتذة وأُطر الدعم الذين فُرض عليهم التعاقد، لرويترز: "هي نتائج غير مرضية لكل نساء ورجال التعليم، بحيث لم تستجب لمطالبهم، كمثال على ذلك الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد لم يتم إدماجهم في الوظيفة العمومية، ولم يتم رصد مناصب مالية لهم في إطار قانون المالية 2024".
واعتبر عدد من الأساتذة أن هذه الزيادة "مجرد مناورة"، لأن مطلبهم الأساسي "إسقاط نظام التعاقد".
فمصطفى، وهو أستاذ تعليم ثانوي، عد زيادة مبلغ 500 درهم لفئتهم دون غيرها، أي لأساتذة التعليم الثانوي، أمر "مجحف في حق أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي، لأنني أعرف ظروف اشتغالهم ومنحنا 500 درهم هو للتفرقة بيننا"، وأضاف "ما تم هو تعديل النظام الأساسي وليس سحبه".
قالت ميلودة بنعزوزي، عضوة لجنة الإعلام في التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد: "مطلبنا بالأساس هو إسقاط نظام التعاقد، والإدماج في الوظيفة العمومية وليس الزيادة في الأجور".
وأضافت لرويترز: "الاتفاق لا يمثلنا والنقابات التي تذهب إلى الحوار لا تمثلنا، من تمثلنا هي التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد، ولم يتم استدعاؤها للحوار، ومطالبنا لم تتم حتى مناقشتها".
وأكدت أن مطالب الأساتذة الأساسية هي "إسقاط نظام التعاقد والإدماج في الوظيفة العمومية".
لكن في المقابل، قال عثمان باقة، من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي تحاور الحكومة في ملف الأساتذة، لرويترز: "التمثيل مرتبط بالآليات الانتخابية، وهي من أفرزت النقابات التي لها تمثيل".
وأضاف "لا يمكن لأحد أن يطعن في مصداقيتنا".
من جهته، أبدى سعد عبيل عضو اللجنة الإدارية الوطنية في "الجامعة (الاتحاد) الوطنية للتعليم"، التي شاركت في الحوار الحكومي مؤخرا، بعض الرضا عن نتائج الحوار الذي أعلنت عنه الحكومة يوم الثلاثاء.
وقال: "بالنسبة لي الحكومة قدمت أقصى ما يمكن أن تقدمه، فالحكومة تقول إنها لا تستطيع تجاوز منصب 20 ألف موظف سنويا، كما أوصى بذلك البنك الدولي".
وأضاف: "ربما تكون بعض المكتسبات في جولة أخرى من الحوار في مارس المقبل، الحكومة وعدتنا خيرا".
انقسم أولياء أمور طلاب المدارس ما بين مناصر للأساتذة، واعتبار أن ظروف اشتغالهم في المدارس العامة مجحفة لدرجة أن بعض المظاهرات في البداية شهدت انضمام أهالي الطلاب، وبين من يندب حظه وحظ أبنائه ويتخوف من سنة دراسية بيضاء.
وقالت ربة المنزل زهرة بلماحي (41 عاما)، إن ابنها في الصف التاسع (الإعدادي التوجيهي)، ومن المفترض أن يتحدد هذا العام مصيره، إما بالالتحاق بالقسم العلمي أو الأدبي، لكنها تخشى تأثير الأزمة الجارية على مستقبله.
وأضافت "على الرغم من حرصي على أن يراجع دروسه فإن مستواه التعليمي أظنه في تدهور مستمر".
ومن جانبه، قال ابراهيم كرطيط، ويعمل كهربائيا: "لا يهمني من السبب في المشكلة هل الأساتذة أم الحكومة، ما يهمني هو أن أبنائي الثلاثة لا يذهبون إلى المدرسة إلا نادرا ثم يعودون إلى البيت بحجة إضراب الأساتذة".
وأضاف "الوضعية المتدهورة التي يشتكي منها الأساتذة هي وضعية عدد من أبناء هذا الوطن، الدولة يجب أن تجد حلا".
وتوضح إحصاءات الحكومة المغربية للعام المدرسي 2023-2024 وجود ما مجموعه 7 ملايين و931 ألفا و841 تلميذا في المغرب، السواد الأعظم منهم في المدارس العامة.
كما تظهر الأرقام الرسمية أن أكثر من 80 ألفا من التلاميذ المغاربة في العام الماضي تركوا المدارس العامة (المجانية) واتجهوا إلى المدارس الخاصة.
في عام 2019 أعطى البنك الدولي قرضا للمغرب قدره 500 مليون دولار لإصلاح قطاع التعليم، أعقبها 250 مليون دولار في مارس الماضي، "لمساندة الحكومة المغربية في تنفيذ أجندة طموحة للغاية لإصلاح التعليم" تستهدف التلاميذ والمعلمين والمؤسسات "لتنفيذ أجندة إصلاحات ذات أثر ملموس على كل من بيئة التعلم والحكامة".
ويقول محللون، إن التعليم في المغرب "ضحية الليبرالية الجديدة"، إذ تتجه الحكومة إلى التخلي عن مبدأ مجانية التعليم و"ربط مضمون التعليم بروح المقاولة الرأسمالية".
وكتب الباحث إبراهيم الحاتمي، في مقال تحليلي، أن المغرب "بدأ في هذا التوجه منذ ثمانينيات القرن الماضي مع تبني البلاد لسياسات التكيف الهيكلي التي دعت للتخلي عن بعض الأدوار الاجتماعية للدولة لصالح تحرير السوق وسن سياسة التقشف تنفيذا لتوصيات المؤسسات الدولية".
وأشار إلى تقرير البنك الدولي في عام 1995 حول التعليم في المغرب، الذي انتقد "نمط الإنفاق العام على التعليم مع الدعوة إلى فتح القطاع للاستثمارات الرأسمالية الخاصة وتحفيزها".
وقال عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة تأسست قبل أكثر من أربعة عقود، لرويترز: "سياسة الدولة منذ الثمانينيات ترمي إلى تقوية القطاع الخاص على حساب القطاع العام، أو محاولة إفراغ القطاع العام من دوره.. إلى أن وصلنا إلى آخر شيء وهو نظام التعاقد، هو من توصيات البنك الدولي".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة