سياسة
اتهامات وجهتها حكومة إقليم كردستان العراق لوزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية في بغداد، بإرسال مواد غذائية ومنظفات تالفة وغير صالحة للاستخدام البشري الى مخيمات النازحين في الإقليم.
كذلك شملت القائمة وقود النفط الأبيض المستخدم للتدفئة في تلك المخيمات، والذي يحتوي على نسب عالية من مادة الكبريت الذي يسبب الإصابة بالأمراض ويزيد الحرائق حسب اتهامات حكومة الإقليم.
ورغم نفي الوزارة إلا أن منظمات حقوقية تقول إن النازحين ومخيماتهم أصبحت ورقة للضغط بين حكومتي المركز والإقليم دون اعتبار لمعاناة الفارين من ويلات الحرب.
من هم هؤلاء النازحون وما هي حقيقة معاناتهم؟ وماذا وراء تهم الإقليم ونفي الحكومة الاتحادية في بغداد؟
داخل مخيم "بحركة" للنازحين في إقليم كردستان يعيش راضي محمد، 54 عاماً مع عائلته في ظروف صعبة منذ سنوات، بعد هروبه من ويلات الإرهاب والحرب في مدينته الموصل.
يقول راضي إنه مجبر على تحمّل كل ما يعانيه في المخيم "خوفاً من المشاكل الأمنية والثأر العشائري" في حال عودته إلى منزله المهّدم.
وحول ما يصله من مواد غذائية، يقول راضي إنها أحياناً تأتي منتهية الصلاحية، وغير صالحة، وأحياناً تتأخر، لكنه مجبر على قبولها لأجل عائلته بعد أن تُركوا للمجهول في مخيمات ليس فيها إلا القليل من أبسط مقومات الحياة.
اتهمت حكومة الإقليم وزارة الهجرة بشكل علني إرسالها مواد غذائية، ومنظّفات غير صالحة للاستخدام البشري، وأحياناً متعفّنة، إضافة إلى الوقود الذي يسبب السرطان.
مدير المعلومات والعلاقات في مركز تنسيق الأزمات بوزارة داخلية إقليم كردستان علي سعيد، أوضح لبلينكس قائلاً "إن وزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية، وخلافاً لجميع مبادئ حقوق الإنسان، أرسلت مواداً غذائية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام البشري، ومتعفّنة إلى المخيمات في إقليم كردستان، وهي ليست المرة الأولى التي تفعل فيها الوزارة ذلك".
وأضاف سعيد أن "حكومة إقليم كوردستان ضبطت هذه المواد من قبل لجانها المختصة في إدارة المخيمات وأرسلتها إلى المختبرات، وتبيّن أن معظم المواد غير صالحة للاستخدام البشري، والبعض منها أصبحت متعفّنة نتيجة سوء التخزين داخل مخازن وزارة الهجرة الاتحادية".
وتابع قائلاً "وزارة الهجرة أرسلت عدة ناقلات من النفط الأبيض، وبعد فحصه تبيّن أنها تحتوي على نسب كبيرة من مادة الكبريت المسرطنة، والتي تتسبب بأمراض عدة، إضافة إلى تسببها باندلاع الحرائق"، مشيراً إلى أن "حكومة الإقليم طالبت باستبدال هذه المواد، لكن وزارة الهجرة الاتحادية أبلغتنا بأن هذا هو المتوفّر سواء شئتم أم لا".
بالنسبة للمنظفات والمعقمات، أوضح سعيد أن "وزارة الهجرة أرسلت في الآونة الاخيرة 4 آلاف سلة من المنظفات إلى مخيمات إدارة زاخو المستقّلة، وتبيّن بعد الفحص المختبري أن 8 من أصل 12 مادة داخل هذه السلات غير صالحة للاستخدام البشري ومنتهية الصلاحية".
عضوة مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان، فيان دخيل، كشفت في مؤتمر صحفي عقدته الأسبوع الماضي داخل البرلمان العراقي، عن تقديم طلب رسمي لاستجواب وزيرة الهجرة تمهيداً لإقالتها، وبينت أنها جمعت 100 توقيع لأعضاء في البرلمان من أجل الاستجواب.
وقالت دخيل إن "العديد من ملفات الفساد التي تم جمعها تدين وزارة الهجرة"، مؤكدة أن أحد أوجه الفساد في الوزارة يتمثل في توزيع مواد "صحية منتهية الصلاحية على النازحين في المخيمات، فضلاً عن توزيع مواد غذائية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستهلاك البشري".
وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة المركزية في بغداد، وصفت الاتهامات بأنها "هجمة مدروسة ومدفوعة الثمن"، وأن المواد الموزّعة حصلت على موافقة وزارة الصحة في إقليم كردستان قبل توزيعها.
وقال المتحدث باسم الوزارة علي جهانكير في تصريح لبلنيكس، إن "مجلس الوزراء أصدر قراراً بإنهاء ملف النازحين والوزارة قدمت آلية التنفيذ" مبيناً أن "هناك هجمة مدروسة ومدفوعة الثمن حاولت استهداف الوزارة وعملها بشأن ملف النازحين".
وأضاف جهانكير أن "جميع المواد الغذائية التي وزعت على النازحين تمت بموافقة وزارة الصحة في إقليم كردستان".
وأكد قائلاً إن وزارته تمتلك الحق برفع دعوى قانونية ضد كل من اتهمها بتوزيع منتجات منتهية الصلاحية على النازحين.
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين قد أعلنت في وقت سابق خطة لإغلاق جميع مخيمات النزوح، وإعادة النازحين طوعياً إلى مناطقهم بحلول شهر يونيو المقبل، تطبيقاً لتوجيهات مجلس الوزراء الاتحادي، لكن بعض الجهات السياسية في الإقليم اعترضت على القرار بحجّة أنه إجبار للنازحين على ترك المخيمات.
الاتهامات حول صلاحية المواد الغذائية فتح ملف الصراع بين الحكومة المركزية في بغداد والإقليم حول ورقة النازحين انتخابياً، والتي دائماً ما كانت محط الخلاف بين تمسك الإقليم ببقائهم لأجل الحصول على أصواتهم الانتخابية، ومطالبة الحكومة الاتحادية بعودتهم للضغط على الإقليم.
وتؤكد منظمات معنية بحقوق الإنسان، أن عدم التعامل مع ملف النازحين كملف إنساني واستخدامه كورقة ضغط سياسية، أسهم إلى حد كبير في تدهور الواقع المعيشي للساكنين في مخيمات النزوح.
هوشيار مالو، رئيس منظمة كردستان لحقوق الإنسان، أوضح أن هناك خلافاً قائماً منذ سنوات بين حكومة بغداد وحكومة أربيل، والاثنان يتعاملان مع ملف النازحين "كملف سياسي وورقة للضغط دون التعامل مع الأمر كملف إنساني"، موضحاً أن ما يدور حول المواد غير الصالحة مع احتمالية وجوده، "فهو يثار بدافع سياسي وليس إنساني وبالنتيجة المتضرر في المعادلة هو النازح في هذه المخيمات" وفق وصفه.
وتنتمي وزيرة الهجرة إيفان فائق جابرو، إلى حركة بابليون بقيادة ريان الكلداني، الموضوع على قوائم الإرهاب الأميركية، وهو أحد قادة الفصائل المسلحة ضمن ما يسمى بهيئة "الحشد الشعبي".
وخلال العامين الماضيين، قادت حركة بابليون نشاطاً سياسياً في عموم البلاد، مستغلة سيطرتها على وزارة الهجرة من جهة، وامتلاكها فصيلاً مسلحاً (اللواء 50) الذي ينتشر في منطقة سهل نينوى من جهة أخرى.
وحصلت الحركة خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021 على أربعة مقاعد في البرلمان، ووزارة الهجرة في حكومة السوداني، كما حصلت الحركة في الانتخابات المحلية مؤخراً على مقاعد في انتخابات مجالس المحافظات بنينوى والبصرة وكركوك.
ويخشى الكثير من النازحين العودة إلى مناطقهم خشية من عمليات الثأر التي قد تقودها جماعات عشائرية، أو ميليشيات مسلحة بحقهم.
وفي مايو من العام الماضي، كشف مركز تنسيق الأزمات التابع للإقليم عن وجود أكثر من 900 ألف نازح ولاجئ يعيشون داخل الإقليم، من بينهم أكثر من 600 ألف نازح من المحافظات العراقية الأخرى، أما باقي اللاجئين فهم من دول أخرى بينها سوريا وإيران والأراضي الفلسطينية.
ويعيش 30 % من النازحين واللاجئين في 36 مخيماً موزعاً على الإقليم و70 % يعيشون خارجها.
بينما تقول وزارة الهجرة العراقية إن عدد النازحين يقدر بـ 25 ألف عائلة، جميعهم متواجدون في إقليم كردستان، وهم من نينوى وصلاح الدين ومحافظات أخرى.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة