سياسة
.
خلال أقل من 72 ساعة، اغتال الجيش الإسرائيلي 3 من أبرز قادة جهاز الشرطة في غزة، واثنين من قادة العشائر، بجانب هؤلاء القادة، قُتل 24 عضوا من اللجان الشعبية خلال قصف إسرائيلي.
الرابط الأبرز بين هذه العمليات، هو المساعدات الإنسانية. فجميعهم عملوا على تشكيل هيئة تضمن وصول المساعدات لشمال القطاع من دون نهب أو تدافع يؤدي إلى سقوط قتلى، بحسب معلومات موثقة حصلت عليها بلينكس.
تأتي عمليات الاغتيال بعد نجاح أولئك الأشخاص في تأمين دخول شاحنات عدة على مدار يومين لأقصى شمال غزة للمرة الأولى منذ بدء الحرب قبل أكثر من 160 يوما.
وبعد تنفيذ سلسلة الاغتيالات، عادت الفوضى وعمليات السرقة للمساعدات ليلة الأربعاء 20 مارس، في النصف الشمالي من غزة.
فما قصة هؤلاء القتلى؟ ولماذا تعمل إسرائيل على إفشال عمليات تأمين دخول المساعدات إلى شمال القطاع؟ وما الذي تأمل في تحقيقه بنشر الفوضى في غزة؟
بحسب معلومات موثقة حصلت عليها بلينكس، بشكل حصري، فإن اجتماعا عقد في مستشفى الشفاء يوم 13 مارس بين ممثلي لجنة الطوارئ التابعة لحكومة غزة، وممثلي العشائر، من جهة، ومسؤولي الأونروا ومنسق الأمم المتحدة في فلسطين ومسؤول منظمة OCHA الأممية من جهة أخرى، لمناقشة الأزمة الإنسانية في شمال القطاع.
قادة العشائر أبلغوا الممثلين الأمميين رفضهم القاطع للعب دور بديل للحكومة المحلية، أو السلطة الفلسطينية، أو المؤسسات الدولية في غزة، والقيام بشكل منفرد بمهام نقل وتوزيع وتأمين المساعدات الإنسانية، كما تريد إسرائيل.
واشترط وجهاء العشائر قبول تقديم دور مساعِد في هذا الشأن، من خلال إشراك جهاز الشرطة التابع للحكومة المحلية في غزة لتأمين القوافل.
وقال قادة العشائر في الاجتماع إن من يوافق على الرؤية الإسرائيلية لغزة يعتبر "خائن لدينه ووطنه وشعبه"، وإن الشرطة جزء من الشعب.
وأفاد مصدر لبلينكس أن غسان عليان، منسق الجيش الإسرائيلي للشؤون المدنية، تواصل مع رئيس اللجنة العليا للعشائر أبو سلمان المغني، وغيره من الوجهاء في غزة بهدف إقناعهم بالتعاون مع الجيش لكن العشائر رفضت ذلك، وهو ما أغضب الإسرائيليين.
أبو سلمان المغني أصدر تصريحا صوتيا قال فيه "العشائر لا يمكن أن تقبل أن تكون بديلا عن الحكومة، ولن تقبل أن تكون بديلا عمن اختاره الشعب. نحن مع اختيار الشعب وسنبقى مع اختيار الشعب. العشائر لا تستطيع أن تحكم، العشائر لا تستطيع أن تدير بلاد. العشائر ليست مؤهلة لهذا الشيء. العشائر مهمتها إصلاح ذات البين والمحافظة على النسيج المجتمعي".
المجتمعون طلبوا من ممثلي الأمم المتحدة التحدث مع الجيش الإسرائيلي ليمتنع عن إطلاق النار على رجال الشرطة الذين يقومون بتأمين دخول المساعدات، مقابل إبعاد عناصر الأمن الناس عن أماكن التماس مع الجيش الإسرائيلي، وأن يرافقوا شاحنات المساعدات بأمان حتى مراكز توزيع الأونروا في الشمال.
بالفعل، بدأ جهاز الشرطة والعشائر بالتنسيق سويا لحماية وتأمين دخول المساعدات وإبعاد سكان غزة عن خطوط الاشتباك عند دوار الكويت يوم الجمعة 15 مارس.
ولكن الجيش الإسرائيلي سرعان ما أطلق النار والقذائف تجاه الحشود ما أدى لمقتل وإصابة العشرات في ما عرف "بمجزرة الطحين الجديدة".
نشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو لطائرة مسيرة ظهر فيه عنصر أمن فلسطيني يطلق النار، وزعم الجيش بأن من قتلوا في ذلك اليوم لقوا مصرعهم على يد مسلحين من حماس.
لكن نفس الفيديو الذي نشره الجيش يفند روايته، المسلح الوحيد الظاهر في المكان أطلق الرصاص في الهواء لإبعاد الناس عن "دوار الكويت"، الذي تجمعت القوات الإسرائيلية بالقرب منه، ولم تظهر أي جثث في مقطع الفيديو رغم إطلاق المسلح للنار.
منظمات حقوقية أفادت نقلاً عن شهود عيان أن مسلحي الشرطة كانوا عند "دوار دولة" بينما وقعت المذبحة عند "دوار الكويت" اللذان يبعدان عن بعضهما 1.6 كيلومتر.
حاولت الشرطة مرة أخرى في اليوم التالي، ونجحت أخيرا وللمرة الأولى منذ بدء الحرب قبل ما يزيد عن 160 يوما في إيصال شاحنات المساعدات لمنطقة جباليا في شمال غزة وإفراغ وتوزيع حمولتها من دون التعرض لأعمال سرقة ونهب وفوضى.
وفقا للمعلومات التي حصلت عليها بلينكس، كان من المفترض أيضا أن يجتمع مدير الأونروا، السبت 16 مارس، مع العميد أبو همام الديب مساعد عام مدير جهاز الشرطة لشؤون المحافظات لتنسيق دخول وتأمين المساعدات للشمال.
وفي يوم الأحد، نجحت الشرطة والعشائر مجددا في إيصال شاحنات المساعدات للشمال مرة أخرى ليصل مجموع الشاحنات الواصلة على مدار يومين بنجاح لـ15 شاحنة.
لكن لم يدم هذا الوضع طويلا حتى باغت الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء في عملية عسكرية مفاجئة مستمرة حتى هذه اللحظة.
أول وأبرز ضحايا العملية العسكرية المفاجئة للجيش الإسرائيلي على شمال غزة كان العميد فايق المبحوح، المدير العام للعمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني الذي باغته جنود الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء يوم الإثنين 18 مارس، واغتالوه.
بحسب مصادر خاصة لبلينكس فإن المبحوح وغيره من أطقم الحكومة المحلية كانوا في اجتماع بأحد أقسام مجمع الشفاء الطبي لإدارة شؤون نصف غزة الشمالي بعد القصف الإسرائيلي للوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة.
وفي اليوم التالي، نفذ الطيران الإسرائيلي غارة جوية على منزل مدير جهاز المباحث في شمال غزة، المقدم رائد البنا الذي كان جزءا من عملية تأمين وتوزيع المساعدات في الشمال، وقتل في تلك الغارة مع رائد، زوجته وأطفاله.
ثم قصفت إسرائيل سيارة في مخيم النصيرات للاجئين واغتيال المقدم محمود البيومي، أبو النور، مدير مركز شرطة النصيرات الذي عمل على تأمين الشاحنات المتجهة نحو الشمال، ومنع نهبها قبل وصولها لدوار الكويت أو دوار النابلسي.
ومساء الثلاثاء 19 مارس، قصفت الطائرات الإسرائيلية مدير لجنة الطوارئ الحكومية بمنطقة غرب غزة، أمجد هتهت، أثناء إشرافه على تأمين وصول المساعدات الإنسانية، ما أدى لمقتله بالإضافة لـ23 آخرين من أعضاء اللجنة وإصابة العشرات عند دوار الكويت.
تلك اللجنة الحكومية كانت هي حلقة الوصل بين العشائر ووكالة الأونروا فيما يتعلق بتأمين وتوزيع المساعدات في الشمال.
والأربعاء 20 مارس، أعلنت إسرائيل اغتيال عدد من رؤساء لجنة الطوارئ الحكومية في شمال وشرق رفح، وهم سيد قطب الحشاش، وأسامة حمد ضهير، ومحمد عوض الملاحي، وادعى الجيش أنهم ينتمون لحركة حماس ويساعدون في استمرار سيطرتها ميدانيا.
تأتي عمليات الاغتيال المنظمة تلك بالتزامن مع صدور آخر تقرير للأمم المتحدة أفاد بأن غزة باتت أقرب من أي وقت مضى لأن يتم تصنيفها رسميا على أنها منطقة مجاعة، وأن ذلك سيحدث في أي لحظة بين الآن وأول شهر مايو.
مساء الأربعاء، أفادت مصادر لبلينكس بأن عمليات السرقة والفوضى عادت مرة أخرى في طريق الشاحنات التي دخلت مخيم النصيرات من شارع أبو بكر الصديق بالقرب من شارع البحر.
بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، هناك قناعة معلنة بأنه من يتحكم في المساعدات هو من يحكم على أرض الواقع، ولذلك تسعى إسرائيل لاستغلال الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وخاصة في الشمال لفرض وقائع على الأرض واستبدال حماس بشكل فعلي.
يعارض نتنياهو وحكومته بشكل قاطع عودة السلطة الفلسطينية وكوادرها للحكم في غزة في نفس الوقت الذي يسعون فيه لمنع حكومة حماس من ممارسة أي دور على الأرض.
بحسب خطة نتنياهو "لليوم التالي" في غزة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لـ:
السلطات الإسرائيلية مستمرة في إرسال رسائل نصية ومكالمات هاتفية عشوائية لسكان الشمال تطالبهم بالنزوح جنوبا رغم إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في يناير الماضي انتهاء أعمال القتال المكثفة في الشمال.
وعند مهاجمة الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء فجر الإثنين، قام الطيران بإسقاط مناشير ورقية للسكان في منطقة الرمال والمناطق المحيطة بالمستشفى للنزوح نحو الجنوب.
فعندما تطالب الهيئات الأممية أو الحكومات الغربية السلطات الإسرائيلية إدخال المزيد من شاحنات المساعدات لغزة لمعالجة الأزمة، يكون الرد الإسرائيلي أن المشكلة تكمن في طريقة عمل الأونروا وغيرها من المنظمات الأممية العاجزة عن توزيع ما تم إدخاله بالفعل لغزة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة