قرار أغضب إسرائيل.. قصة "فيتو" ضد الموت في غزة

تقدمت الإمارات العربية المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن في الثامن من ديسمبر الماضي، يشمل وقفا فوريا لإطلاق النار لأسباب إنسانية، مع التزام جميع الأطراف بموجب القانون الدولي بحماية المدنيين، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأسرى، مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية.

دعّمت أكثر من 96 دولة عضوة بالأمم المتحدة، مشروع القرار، لكن تدخلت أميركا قبل التصويت عليه، واستخدمت حق النقض "الفيتو" للمرة الأولى، لتعلن استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.

وعلل نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، قرار بلاده بأنه يأتي بسبب عدم وجود رغبة من حركة حماس في تحقيق السلام الدائم أو حل الدولتين.

الولايات المتحدة عادت إلى استخدام حق "الفيتو" مرة أخرى ضد مشروع روسي في مجلس الأمن، يوم 22 ديسمبر الماضي، يمهد لوقف دائم لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية بصورة موسعة وآمنة دون عوائق، مع اتخاذ خطوات عاجلة للتنفيذ.

وشهد المشروع الروسي تأييد 13 عضوا، وامتناع أميركا عن التصويت في البداية، ثم استخدامها لحق الفيتو، لينتهي التحرك الثاني بالفشل في مجلس الأمن.

المشروع الثالث لوقف إطلاق النار، قدمته الجزائر في 20 فبراير الماضي لمجلس الأمن، وحصل على تأييد 13 عضوا من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت، واستخدام الولايات المتحدة الأميركية حق النقض "الفيتو" للمرة الثالثة.

مشروع القرار الجزائري كان ينص على إيقاف عمليات التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، مع الوقف الفوري لإطلاق النار.

وعلقت السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد، لدى الأمم المتحدة، على قرار بلادها بمنع وقف إطلاق النار، بأن المضي قدما في عملية التصويت على مشروع القرار لم يكن مسؤولا.

وقالت: "لا يمكن دعم قرار من شأنه تعريض المفاوضات الحساسة للخطر، يجب أن يتضمن الاتفاق على وقف إطلاق النار صيغة واضحة تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى".

في 22 مارس الجاري، تقدمت الولايات المتحدة هذه المرة بمشروع قرار لدى مجلس الأمن يتضمن وقف إطلاق النار ضمن صفقة إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، لتلقى تحالفا معارضا.

اتفقت روسيا والصين هذه المرة على استخدام حق النقض "الفيتو" ضد المشروع الأميركي، مع توجيه اتهام صريح إلى الولايات المتحدة بأنها تحاول "بيع منتج" خلال مشروع وقف إطلاق النار.

وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن الولايات المتحدة أدركت أخيرا الحاجة إلى وقف إطلاق النار بعد مقتل أكثر من 30 ألفا من سكان غزة، واتهمها بما اعتبره "تضليلا للمجتمع الدولي"، وعمل مسودة مشروع للتلاعب بالناخبين الأميركيين ورمي "طعم" لهم بداخل دعوة وقف إطلاق النار.

ومن جانبه علق الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، السفير غانغ جون، قائلا إن مشروع القرار الأميركي غامض ولا يقدم الإجابات عن أي أسئلة تتعلق بوقف إطلاق النار على المدى القصير، معتبرا أنه "انحراف واضح".

وفي أحدث جلسات مجلس الأمن للتوصل إلى حل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، الإثنين، امتنعت أميركا عن التصويت، ليتم اعتماد القرار دون استخدام "الفيتو" لأول مرة.

وقدمت 10 دول غير دائمة العضوية بمجلس الأمن، مشروع القرار، ليحظى بتصويت 14 عضوا. وأعقب التصويت احتفال داخل مجلس الأمن وتصفيق مستمر من الأعضاء، بعد عدة محاولات فاشلة سابقة لم يتمكن خلالها المجلس من التوصل إلى حل لوقف إطلاق النار.

القرار المعتمد طالب بكفالة وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة، لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، مع الإفراج عن جميع الأسرى.

وقالت سفيرة الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد: "نقترب الآن من التوصل إلى اتفاق بشأن وقف فوري لإطلاق النار، مع الإفراج عن جميع الأسرى، لكننا لم نصل إلى هذه النقطة بعد، كان يمكن حدوث ذلك قبل شهور لو أبدت حماس استعدادها، لكنها عرقلت السلام وقررت الاختباء خلف المدنيين".

وعقب السفير الصيني غانغ جون، بأن مشروع القرار الحالي واضح دون لبس، على عكس المشروع الغامض والمراوغ السابق الذي كان مقترحا من الولايات المتحدة.

عبر وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن غضب بلاده من قرار مجلس الأمن بالوقف الفوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، مع رفض تطبيقه، وأضاف في بيان: "لن نوقف إطلاق النار، سندمر حماس ونواصل القتال حتى عودة آخر الرهائن إلى الوطن".

وألغت إسرائيل زيارة وفدها إلى واشنطن بعد سماح الولايات المتحدة بتمرير قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وعدم استخدام حق الفيتو للمرة الرابعة.

وقال مسؤولان إسرائيليان إن قرار أميركا بالامتناع عن التصويت بدلا من استخدام حق النقض في مجلس الأمن، دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إلى إلغاء رحلة لكبار مستشاريه إلى الولايات المتحدة.

في المقابل، قال مسؤول أميركي إن واشنطن في حالة حيرة بسبب قرار إسرائيل الانسحاب من محادثات مزمعة هذا الأسبوع بشأن غزة، وتعتبره "رد فعل مبالغا فيه".

وذكر المسؤول لمجموعة من الصحافيين أن حالة التوتر في السياسة الداخلية في إسرائيل "يُحتمل أنها السبب في تقرير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم إرسال وفد بلاده" إلى واشنطن لحضور المحادثات.

وأضاف المسؤول أن جو بايدن، لا يخطط للاتصال بنتنياهو بشأن القرار، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يبادر بالاتصال بالرئيس الأميركي قبل القرار.

وذكرت مصادر لموقع والا الإسرائيلي أن البيت الأبيض أكد لمستشاري نتنياهو أن الامتناع الأميركي عن التصويت لا يشكل تغييرا في سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالشروط الضرورية لوقف إطلاق النار، وأن إدارة بايدن لا ترى أن القرار ملزم.

وقال مسؤول أميركي للموقع: "ما فعله نتنياهو طريقة غريبة للتعامل مع حليف قدم لإسرائيل الكثير من الدعم منذ بداية الحرب".

استقر واضعو ميثاق الأمم المتحدة في مرحلة التأسيس، على منح 5 دول كان لها دور رئيسي ومؤسس للمنظمة، دورا مهما واستثنائيا يمنحها قوة خاصة لا تمتلكها الدول الأخرى، وهو حق النقض "الفيتو".

ويحق لدول روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، استخدام حق النقض حتى لا تتم الموافقة على أي قرار يُطرح في مجلس الأمن، حتى لو حظي بموافقة الأغلبية.

ويحتاج مجلس الأمن إلى تصويت 9 أعضاء على الأقل من أجل اعتماد أي قرار يناقشه من بين 15 عضوا، لكن إذا تدخلت إحدى الدول الخمس التي تمتلك حق الفيتو واعترضت على القرار يصبح لاغيا حتى لو حظي بـ14 صوتا.

ويمكن للدول الخمس الامتناع عن التصويت إذا كانت لا تتفق كليا مع القرار المطروح، وذلك من أجل تمريره، بدلا من استخدام حق النقض وإبطاله نهائيا.