سياسة
شأنها شأن مئات الطلاب الأميركيين، شاركت ليلى سيد، الطالبة ذات الأصول المصرية في احتجاجات مناهضة للحرب في قطاع غزة في جامعة بنسلفانيا، كان ذلك في ١٦ من أكتوبر الماضي.
بعد أكثر من ٦ أشهر، تلقت سيد رسالة نصية من إحدى الصديقات، تنبهها إلى أن بياناتها الخاصة أصبحت متوفرة على موقع إلكتروني، يزعم أنه ينشر بيانات هؤلاء الذين "يشجعون على كراهية اليهود وإسرائيل".
إلا أن الأمر لم يتوقف عند إعلان البيانات، إذ تسبب نشر بيانات ليلى سيد على الموقع في الكثير من المضايقات الإلكترونية والتعليقات المسيئة.
سيد ليست وحيدة على أي حال، فالموقع المعروف باسم "كناري ميشن" اتهم أكثر من 250 طالبا وأكاديميا أميركيا بدعم الإرهاب أو نشر معاداة السامية والكراهية لإسرائيل.
فما الذي نعرفه عن الموقع؟ وكيف تأثرت حياة المستهدفين من قبله؟
عندما زارت ليلي سيد الموقع المذكور، لم تجد فقط صورة لها أثناء المشاركة في إحدى التظاهرات، بل وجدت أيضا اسمها والمدينتين اللتين تعيش فيهما، وتفاصيل عن دراستها وروابط حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما نشر موقع "كناري ميشن" في وقت لاحق صورة لليلى على حسابيه على منصتي إكس وإنستغرام تحت عنوان "مدافعة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس".
منذ تلك اللحظة، أصبحت صورة ليلى هدفا لتعليقات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كتب أحد الأشخاص على منصة إكس قائلا: "لا يوجد مستقبل لهذه القذرة". وكتب آخر "مرشحة للترحيل إلى غزة".
عن تجربتها مع الموقع قالت ليلى لوكالة رويترز: "رد فعلي كان صدمة كبيرة للوهلة الأولى... لم أكن هناك لأقول إنني أؤيد حماس. ولم أكن هناك لأقول إنني أكره إسرائيل. كنت هناك لأقول إن ما يحدث في فلسطين خطأ".
موقع كناري ميشن هو واحد من أقدم وأبرز مجموعات الدعم الرقمية، التي كثفت حملاتها للكشف عن الأشخاص الذين ينتقدون إسرائيل، وهو ما يؤدي غالبا إلى تعرض هؤلاء الأشخاص لمضايقات على غرار ما تعرضت له ليلى.
ويُخفي الأشخاص المسؤولون عن إدارة الموقع هوياتهم ومواقعهم ومصادر تمويلهم.
وردا على استفسار أرسل عبر كناري ميشن، قال الموقع إنه "يعمل على مدار الساعة" لمكافحة "موجة معاداة السامية" التي تجتاح الجامعات منذ السابع من أكتوبر، بما يشمل الكشف عن الأشخاص الذين يؤيدون حماس.
ويعرض الموقع روابط لمنشورات الأشخاص المستهدفين على وسائل التواصل الاجتماعي وحديثهم في الفعاليات العامة ومقابلاتهم مع الصحافيين.
ومن بين المستهدفين أعضاء بارزون في جماعات حقوقية فلسطينية، وأشخاص محتجزون بتهم مثل تعطيل حركة المرور والهجوم على طالب يهودي باللكم.
ودعت الرسائل إلى ترحيلهم أو طردهم من الجامعة، وبعضها دعا إلى اغتصابهم أو قتلهم.
بدأ الموقع عمله في عام 2015 لمواجهة ما يزعم أنها معاداة السامية المتزايدة في الحُرم الجامعية، بحسب تصريحات الموقع لوكالة رويترز، إلا أنه لم يجب عن أسئلة عن قيادته ومصادر تمويله.
لكن إقرارا ضريبيا لعام 2016 الذي قدمته مؤسسة عائلة هيلين ديلر، وهي منظمة خيرية يهودية أميركية بارزة، كشف عن وجود صلة مالية بين كناري ميشن ومؤسسة إسرائيلية غير ربحية اسمها ميجاموت شالوم.
في ذلك العام، منحت مؤسسة ديلر مبلغ 100 ألف دولار للصندوق المركزي لإسرائيل خصصته تحت بند "كناري ميشن لميجاموت شالوم"، وفقا للوثيقة التي نشرها لأول مرة منفذ الأخبار اليهودي الأميركي ذا فوروارد واطلعت عليها رويترز.
الصندوق المركزي هو مجموعة مقرها الولايات المتحدة تعمل كقناة للأميركيين لتقديم تبرعات معفاة من الضرائب للجمعيات الخيرية الإسرائيلية.
وقال رئيس الصندوق، جاي ماركوس، لرويترز إن منظمته تدعم فقط الجمعيات الخيرية المسجلة، لكنه لم يؤكد ما إذا كانت ميجاموت شالوم أو كناري ميشن من بينها، وعزا ذلك إلى خصوصية معلومات المتبرعين والمتلقين.
في الوقت نفسه، ظهرت في الأشهر القليلة الماضية عدة جماعات مؤيدة للفلسطينيين تستخدم أساليب مماثلة للكشف عن الأشخاص المدافعين عن إسرائيل.
ومن بين هذه الجماعات حساب على منصة إكس يحمل اسم "ستوب زيونيست هيت" أو أوقفوا الكراهية الصهيونية، وموقع "ريفين ميشن"، وهو موقع إلكتروني أطلق في ديسمبر على غرار "كناري ميشن"، ويسلط الضوء على الأشخاص الذين يتهمهم بمعاداة الإسلام أو المساعدة في استمرار الفظائع ضد الفلسطينيين.
وقال حساب "ستوب زيونيست هيت" إنه يريد "التأكد من أن الرأي العام الأميركي على دراية بالخطر الذي يشكله التطرف الصهيوني".
يتهم بعض المنتقدين المواقع المؤيدة للفلسطينيين أو الإسرائيليين على حد سواء بممارسة التنمر عبر الإنترنت أو الكشف عن معلومات شخصية، وذكروا أن هذا يمكن أن يكون له تأثير مروع على حرية التعبير.
على مدار الأشهر الماضية، منذ اشتعال الحرب في أكتوبر الماضي، تصاعدت حدة التوتر في الجامعات الأميركية، مع زيادة النشاط الطلابي بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة، واعترض محتجون على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، واتهموها بإثارة الكراهية ضد اليهود وترهيب الطلاب اليهود في الجامعات، واشتبك المعسكران مع الشرطة.
وفتحت وزارة التعليم الأميركية تحقيقات في عشرات الجامعات منذ هجوم السابع من أكتوبر، مشيرة إلى "ارتفاع مثير للقلق على مستوى البلاد" في عدد البلاغات المتعلقة بمعاداة السامية ومعاداة المسلمين وغيرهما من أشكال التمييز والمضايقات.
وأحجمت الوزارة عن تقديم تفاصيل حول تلك التحقيقات وعما إذا كانت تتعلق بأي من الوقائع التي تناولها موقعا كناري ميشن وريفين ميشن، أو حساب "ستوب زيونيست هيت".
وتنصح المجموعات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين أتباعها في أنحاء الولايات المتحدة بارتداء الأقنعة في أثناء الاحتجاجات، حتى لا يتعرف عليهم أحد.
ويرى موقع "كناري ميشن" والمدافعون عنه أنه يجب محاسبة أولئك الذين يشجعون على الكراهية والتعصب، ويعرض الموقع بيانات عن أصحاب العمل والأكاديميين الذين يلفت الانتباه إليهم، ويدعو عشرات الآلاف من أتباعه إلى التأكد من أن "متطرفي اليوم ليسوا موظفي الغد".
ويخشى عشرة من الطلاب الذين أجرت رويترز مقابلات معهم أن تتأثر حياتهم المهنية سلبا بظهورهم على الموقع.
يعتقد محامون وجماعات دعم أنه بالنسبة للمستهدفين، هناك خيارات قليلة لجبر الضرر الذي قد يحدثه الموقع، إذ قال 3 محامين لرويترز إن معظم ما ينشره موقع كناري ميشن محمي بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي الذي ينص على حرية التعبير.
وقال يوجين فولوخ، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إن القانون لا يجرم بوجه عام نشر معلومات عن شخص ما دون موافقته، عندما تكون المعلومات صحيحة ويجري الحصول عليها بشكل قانوني من المجال العام.
وذكر ديلان سابا، المحامي في منظمة فلسطين القانونية التي تمثل النشطاء المؤيدين للفلسطينيين، أن المعيار القانوني للتشهير كبير، إذ يقع على عاتق المدعين عبء إثبات أن الموقع أدلى ببيانات كاذبة عنهم، ولم يتذكر سابا سوى عدد قليل من الحالات التي نجح فيها الطلاب في إجبار موقع "كناري ميشن" على إزالة ملفاتهم الشخصية أو تغيير البيانات الواردة فيها من خلال التهديد برفع دعاوى تشهير.
ويشكل الغموض الذي يكتنف المسؤولين عن إدارة الموقع عقبة إضافية، فيقول سابا: "إذا كنت تريد مقاضاة شخص ما، فعليك أن تعرف المكان الذي سترفع فيه الدعوى".
تغيرت بعض التفاصيل في حياة ليلى سيد بعد أن استهدفها موقع "كناري ميشن".
فبشكل مبدئي، تقول إنها اضطرت لخلع الكوفية الفلسطينية التي كانت تربطها على حقيبة ظهرها، إذا تقول إنها باتت تشعر وكأنها "هدف"، كما أصبحت تتجنب السير منفردة في الحرم الجامعي، كما أخفت ملفها الشخصي على لينكد إن، حتى لا يظهر في نتائج البحث.
نشر "كناري ميشن" معلومات عن سبعة من طلاب كلية الطب بجامعة جورج تاون، بعد أن ظهروا في مقال بتاريخ 21 ديسمبر، نشره موقع واشنطن فري بيكون الإخباري المحافظ تحت عنوان "في كلية طب جورج تاون، أطباء الغد لا يخفون دعمهم للإرهاب".
وقالت إحداهم واسمها يسرا رفيقي، إن المواقع نشرت لقطة لمنشور قالت إنها شاركته بشكل خاص مع متابعيها على إنستغرام يظهر رجلا فوق دبابة إسرائيلية يلوح بالعلم الفلسطيني يوم السابع من أكتوبر.
وكتب أحدهم على إكس تعليقا على منشور لكناري ميشن ذكر فيه جامعتها وعيادة تتطوع بالعمل فيها "اطردوها فورا" في إشارة إلى يسرا.
وعبرت يسرا عن "قلقها الشديد" حيال كيفية تأثير ذلك على قدرتها على ممارسة مهنة الطب ومواصلة الدفاع عن الفلسطينيين، وقالت الطالبة وهي ابنة مهاجرين من باكستان: "لم أعد أشعر بالأمان في هذا البلد الذي كنت أعتبره وطني ذات يوم".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة