سياسة
.
حسين مكي.. بنك معلومات حزب الله ووسيط نقلها، استهدفته إسرائيل قبل يومين في جنوب لبنان، بضربة يبدو للوهلة الأولى أنها كسابقاتها من الاستهدافات الإسرائيلية لقادة الحزب الميدانيين، ولكن مصادر تحدثت إليهم بلينكس قالوا إن هذا الاغتيال لا يشبه ما سبقه، لحساسية الدور الذي يلعبه مكي، وبسبب ما كشفته هذه الضربة من خرق محتمل لغرفة عمليات الحزب.
فوصول الإسرائيليين واستهداف مكي بهذه الطريقة كشف ثغرات أمنية خطيرة يواجهها الحزب اللبناني المدعوم من إيران، بحسب مصادر عدة تحدثت لبلينكس.. فما هو الدور الحساس الذي كان يتولاه مكي؟ ولماذا تأخر الحزب حتى اكتشف هويته؟ وكيف تمكنت إسرائيل من الوصول إليه؟
المعلومات التي تحدثت عن أدوار مكي كثيرة، أبرزها أنه كان قائدا للسواحل البحرية من مدينة صور وصولا إلى الناقورة في جنوب لبنان، بالإضافة إلى علاقته الوطيدة مع إيران، وتحديدا مع المسؤول الإيراني، محمد رضا زاهدي، الذي اغتالته إسرائيل في سوريا مطلع مارس الماضي.
الدور العملياتي الأبرز لمكي تكشفه مصادر بلينكس، وتقول إنه كان يتمحور حول جمعه للمعلومات داخل حزب الله، فهو كان بمثابة ناقل لمعطيات ميدانية ترد إليه عبر غرف العمليات.
تربط المنطقة التي شهدتها عملية الاغتيال بين 3 نقاط أساسية:
مصادر قيادية فلسطينية كشفت أن اتصالات حصلت على صعيدين بعد الحادثة لتحديد الشخصية المستهدفة:
مصادر بلينكس قالت إن فرضية اغتيال مسؤول في حزب الله كانت مستبعدة تماما في بداية الحادثة، والسبب هو أن الحزب لم يعلم بأمر الشخصية المستهدفة.
وكشفت المصادر أن مسؤولين في الحزب تثبتوا من هوية مكي من خلال "قلادة حديدية غير قابلة للانصهار" كانت معلقة برقبته، لكن عملية إبلاغ المعنيين بالحزب بالأمر استغرقت وقتا.
فما السبب وراء ذلك؟
بحسب المعلومات، فإن "الخبر الأساس واليقين" عن أي حادثة اغتيال كان يصل إلى المسؤولين المحوريين في الحزب عبر مكي نفسه.
أما بعد اغتيال الأخير، فمسألة تحديد وتثبيت وتأكيد المعلومة وإرسالها لقيادة الحزب احتاجت إلى تدقيق إضافي من قبل مُعاونين لمكي، وهو أمر تسبب في نوع من الإرباك.
لم يبلغ الحزب باغتيال مكي على الفور، وللتأكد منه، احتاج الأمر إلى بعض التدقيق داخل صفوفه.
وبحسب المصادر، فإن الحزب يعتمد على فحوصات الـ"DNA" للتعرف على جثة معينة، وذلك في حال كانت مشوهة أو يصعُب التعرف عليها.
منذ بداية الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل قبل 8 أشهر، استغنى مسؤولو الحزب عن أي جهاز اتصال أثناء تنقلاتهم.
في بادئ الأمر، تقول مصادر إن الحزب يكون على اطلاع على تحركات أي سيارة تابعة لمسؤوليه، والمسار الذي تسلكه والنقطة التي تصلُ إليها. وغالبا، معظم القادة الأساسيين لا يستخدمون سيارة واحدة خلال الرحلة، إذ تستبدل المركبات أكثر من مرة وفي نقاط مختلفة.
المصادر تكشف أن الحزب يُجري تحقيقا بالثغرات التي أدت إلى اكتشاف مكي واختراقه. وتقول المصادر إن سؤالين أساسيين يسعى الحزب للإجابة عنهما:
هناك 3 أنواع أساسية لغرف العمليات لدى حزب الله:
4. بشأن مكي، توضح المعلومات أنّ دوره الأساسي كان يرتبطُ بإرسال معلومات إلى "غرفة عمليات المقر"، مشيرة إلى أن الإسرائيليين يجمعون المعلومات عن غرف العمليات تلك لخرقها، إما عبر شبكة جواسيس وإما من خلال تقنيات محددة.
الثغرة الأمنية الخطيرة هنا، بحسب المصدر، هي أنه من المحتمل أن يشمل الخرق الذي طال مكي باقي غرف العمليات، فالمستهدف هو "مسؤول معلومات" بمهام حساسة، وتاليا فإن الوصول إليه يعرض باقي المسؤولين "العملياتيين" للتتبع والمراقبة.
لهذا السبب، تشير معلومات بلينكس، إلى أن الحزب يُجري يوميا تحديثا لمعلوماته ولتحركات قادته بسبب الخروقات الكبيرة التي تطالهم وتحديدا بعد اغتيال مكي.
مصدرٌ معني بتكنولوجيا الاتصالات، طلب عدم الكشف عن هويته، يفسر في حديث مع بلينكس فرضية الخرق التقني داخل غرفة العمليات التي كان يعمل مكي ضمنها، ويقول:
لتتبع مكي بهدف اغتياله، يأتي دور المسيّرة الإسرائيلية التي تقومُ في البداية بملاحقة هدف يبقى مشتبها به حتى تحديده فعليا من قبل غرفة التحكم الإسرائيلية، والعملية هنا تأتي على 3 مراحل:
الأولى وهي قيام الطائرة برصد كافة المعلومات المطلوبة ونقلها إلى القادة العسكريين الإسرائيليين.
وللإشارة، المُسيّرة قادرة على التقاط بصمة الصوت من الجو أثناء تحرك "هدف ما" داخل السيارة، في حين أن باستطاعتها أيضا تحديد عدد الأشخاص داخل المركبة وحرارة محركها، بحسب المصدر.
في المرحلة الثانية، تعالج المعطيات الواردة من الطائرة على الفور عبر حاسوب ضخم وبواسطة الذكاء الاصطناعي، وبعدها تجري عملية المطابقة مع المعلومات التي توفرت في وقت سابق عن الهدف.
فعلى سبيل المثال، إن وردت معلومات لإسرائيل أن مكي انطلق مع شخصين آخرين ضمن مركبة محددة، يتم تحديد مواصفاتها، وتتولى الطائرة المسيرة ملاحقة الهدف المشتبه به بعد توجيهها إليه، وتاليا نقل المعلومات التي تجمعها إلى غرفة تحكم إسرائيلية، وهي تشمل عدد الأشخاص وبصمة الصوت لأحدهم أو جميعهم ونوع المركبة وحرارة محركها، وتحديد ما إذا كانت تحتوي على ذخائر وغيرها من المعلومات.
تأتي المرحلة الثالثة في حال تأكد الجيش الإسرائيلي أن الهدف المحدد يتواجد داخل المركبة طبقا للمعلومات المحددة، عندها توجه الطائرة المسيرة لتنفيذ عملية الاغتيال.
مرّت عملية اغتيال مكي بكل هذه المراحل، بحسب المصدر، بدءا من عملية الرصد مرورا بالتعقب والملاحقة وصولا إلى الاستهداف.
وفي ما يخص السؤال الثاني والمرتبط بالسيارة التي استخدمها مكي، وعما إذا كانت مكشوفة للإسرائيليين، فالشرح يتضمن 3 نقاط.
معلومات بلينكس تقول إن معظم سيارات الحزب تحمل لوحات غير صحيحة، لكن أرقامها تكون معروفة للجماعة من خلال قاعدة بيانات معينة.
المصدر المعني بتكنولوجيا الاتصالات يقولُ إن كل سيارة تكون مرتبطة بعدد معين من الأشخاص يستخدمونها بإشراف معنيين في الحزب.
يوضح المصدر أنه في حال اخترقت إسرائيل قاعدة البيانات المرتبطة بتلك السيارات أو في حال أبلغ الجواسيس برقم مركبة معينة ونوعها، فإن الطائرة المسيرة قادرة على رصد اللوحة من الجو ومتابعتها بالتوازي مع المعطيات الأخرى الخاصة بالمركبة وبالهدف الذي استخدمها في الوقت الحالي والفعلي. وفي حال ثبوت المعلومات، يقصف الهدف.
بالإضافة إلى ذلك، يقول المصدر إنه من الممكن أن يكون الحزب استخدم أجهزة تعقب داخل سياراته لتحديد مكانها، وهذا الأمر يؤدي إلى عملية خرق معينة من خلال تقنيات إسرائيلية تجسسية. وعليه، فإنّ قدرة الوصول إلى الهدف بواسطة هذا الجهاز تعد سريعة جدا خصوصا إذا اقترن الأمر بمعلومات مُسبقة عن المركبة وتفاصيلها.
كل هذه الخروقات، بحسب المصدر، تكشف أن "حزب الله" يواجه معضلة تقنية كبيرة، وما يتبين من خلال تصعيد إسرائيل لعمليات الاستهداف هو أنها قادرة على مواصلتها، فيما الحزب لم ينجح في وقفها نهائيا رغم محاولته تأخيرها.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة