سياسة
.
عمار وعبدالعزيز ومحمد وسلمان، نماذج لعرب يعيشون ظروفا صعبة في مراكز إيواء اللاجئين بتركيا، وصفوها بأنها "مكبّات بشرية". يحكي هؤلاء الأربعة، وغيرهم، لبلينكس بعضا من تجاربهم ومشاهداتهم، الأمر الذي دفع الآلاف من طالبي اللجوء إلى المغادرة، طوعا أو إجبارا بقرارات حكومية.
تنتشر هذه المراكز في جميع مدن البلاد، وتشرف عليها قوات الشرطة.
وبحسب القانون التركي، فمن حق المحتجز رفع دعاوى قضائية ضد دائرة الهجرة والحصول على حكم بالإفراج في الولاية التي يقع بها مركز الترحيل. لكن بعض اللاجئين يواجهون مشكلة أخرى تتمثل بالتمييز في ساحات القضاء بسبب جنسيّاتهم العربية التي تتنوع بين سوريين وعراقيين ومصريين وحتى جزائريين.
التقت بلينكس عددا من هؤلاء اللاجئين الذين يروون شهادات عن الأوضاع التي يصفونها بالمأساوية، كما تحدثوا عن "عنصرية القضاة" التي تبقيهم شهورا رهن الاحتجاز.
يشكو لاجئون تعرضوا للاحتجاز في مراكز الترحيل من عنصرية بعض القضاة في التعامل مع قضاياهم، إذ يمكن أن يحتجز اللاجئ عاما كاملا في حال كان قاضي الولاية "عنصريا"، بحسب اتهامات صدرت من لاجئين.
يقول عمار، شاب سوري من محافظة حلب: "رماني حظي السيئ في ولاية آيدن حيث يرفض القاضي هناك أي طلب لإطلاق سراح المحتجز في مراكز الترحيل تحت أي ظرف".
يضيف: "أنهت السلطات الأمنية دراسة ملفي الأمني وخلصت إلى أنني بريء من أي شبهة ومنحتني ورقة "كف تحري" وبهذه الحالة باتت احتجازي غير مبرر، لكن قاضي الولاية رفض عدة مرات طلبات إطلاق سراحي". وتتطابق قصة عمار مع قصص أخرى عن عنصرية تتحكم بقرارات بعض القضاة في تركيا خصوصا ضد العرب.
يروي محمد، وهو مدرس رياضيات من محافظة دير الزور شرقي سوريا، معاناته مع القضاة قائلا: "اعتقلت أواخر 2022 وبعد شهر حصلت على قرار من الادعاء العام ببراءتي، ويفترض عندها أن يطلق سراحي، وما حدث كان العكس تماما".
بقي سلمان في مركز ترحيل اللاجئين بولاية جناق قلعة لمدة 6 أشهر حتى بدأ إضرابا عن الطعام انتهى بنقله إلى مركز آخر في ولاية هاتاي، حيث أطلق سراحه من هناك بعد أسبوع، مفسرا ذلك بـ"لم يتعامل القاضي بعنصرية مع قضيتي"، بحسب حديثه.
يؤكد سلمان، "روايات الكثير من المحتجزين تتطابق حول موضوع القضاة، في السابق إن كان حظك سيئا سترسل لمنطقة تسيطر عليها فصائل المعارضة عندها ستبقى في مركز الاحتجاز".
حصل عبد العزيز، مصري الجنسية، على حكم براءة من المحاكم التركية بعد قضاء 8 أشهر بتهمة الصلة بتنظيم داعش. ولأن القانون في تركيا يمنح الموظفين صلاحيات واسعة، فمن حق السلطات إطلاق سراح عبد العزيز مباشرة من المحكمة أو تسليمه لدائرة الهجرة، وهذا ما حدث.
يقول: "سلمني السجن للشرطة التي يفترض أن تنهي بعض الإجراءات في المخفر ثم تطلق سراحي، لكنهم سلموني لدائرة الهجرة التي بدورها نقلتني لمركز احتجاز للأجانب".
ويضيف: "قابلت عدة مسؤولين في المركز، أكدوا لي أن قرار إطلاق سراحي يخص السجن لا دائرة الهجرة، والآن لدي قضية جديدة علي أن أكسبها لأعود لمنزلي".
يتابع: "رفض قاضي ولاية أرضروم إطلاق سراحي من مركز الاحتجاز رغم رويته قرار براءتي من المحكمة الجنائية، حتى المحامي كان يبدو متأسفا بعد كل رفض، ويخبرني بأن هذا هو القانون في تركيا".
لم تكن "عنصرية القضاة" هي الأمر الوحيد الذي يعاني منه اللاجئون المحتجزون في تركيا، فأوضاع مراكز الاحتجاز السيئة تفاقِم من مأساتهم وتدفع بالكثيرين منهم لطلب الترحيل.
يقول عبدالله وهو سوري ينحدر من محافظة حلب إن مراكز ترحيل اللاجئين في كل دول العالم لا يمكن اعتبارها سجونا بالمعنى الحرفي، إلا في تركيا".
يشرح عبدالله الذي تنقّل بين عدة مراكز احتجاز على مدى 8 أشهر أوضاع الاحتجاز الصعبة، التي تتمثل في تكدس اللاجئين داخل غرفة طوال اليوم ولا يخرجون منها إلا لأمر طارئ، رغم أن المنع من التريض لا يحدث حتى في سجون تركيا الرسمية، بحسب اللاجئ السوري.
يوضح أنه، وغيره، حرم من استخدام الهاتف، في مقابل إجبارهم على شراء بطاقات اتصالات مخصصة لهواتف مركز الاحتجاز.
معاملة الجندرمة قاسية خصوصا مع العرب والأفغان، لكن هذا الأمر يختلف مع أي لاجئ محتجز من بلد آخر، وكذلك الأمر مع ذوي الأصول التركية، بحسب شهادة عبدالله، الذي يقول إن المحتجزين ينقلون إلى المشفى وهم مقيدي الأيدي، كما يخضعون للتفتيش الدقيق كل شهر، فضلا عن جرد ممتلكاتهم.
يروي عبد الله قصة حدثت معه في مركز احتجاز بولاية أورفة، حيث أضرب بعض المحتجزين عن الطعام احتجاجا على المعاملة السيئة وظروف الإقامة، حتى التقى بهم أحد مسؤولي المركز وقال لهم إن الوضع لن يتغير، وليس أمامهم سوى الرحيل.
في السابق كانت تشرف شركات أمن خاصة على مراكز ترحيل اللاجئين، لكن مع تشدد حكومة أردوغان تجاه اللاجئين تولت "الجندرمة" زمام الأمور هناك، والأخيرة ذات سجل حافل باتهامات تتضمن سوء معاملة المهاجرين فضلا عن قتلهم على الحدود.
يقول محمد، وهو جزائري اعتقل 3 مرات خلال محاولة الهجرة إلى أوروبا، "في كل مرة كانت مدة الاحتجاز تطول وكانت الأوضاع داخل مراكز الترحيل تتغير للأسوأ، فسابقا لم يكن هذا التشديد الأمني، الآن نُعامل كمجرمين".
ويضيف نجيب، "بقينا في حافلة الترحيل مقيدي الأيدي لمدة 14 ساعة عند نقلنا من حدود بلغاريا إلى غازي عنتاب، جنوبا، ولم تسمح لنا الجندرمة بالتحرك أو حتى الذهاب لدورات المياه، حتى أن بعض المرضى تفاقمت حالتهم بسبب مرور الوقت دون تناول أدوية الأمراض المزمنة.
يروي اللاجئ العراقي حارث لبلينكس تجربته الصعبة في مراكز الترحيل التركية، التي وصفها بأنها "مكبات بشر" إذ تأتي قوات الشرطة بشكل يومي لتفريغ حمولة جديدة من اللاجئين أو المقيمين في البلاد بهدف ترحيلهم.
ويتابع: "كثير من الأحيان لن تجد مكانا تنام فيه بسبب تكدس الأعداد، ولهذا يفترش الكثيرون أرضية ممرات مراكز الترحيل ومنهم من يُترك ليلة أو ليليتين في الباحة الخارجية".
المحتجز يوضع بغرفة صغيرة تحوي ضعف العدد المخصص لها، كما أنها تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وهذا السوء متفاوت بين مركز وآخر، وفقا لمحمد.
وعن تجربته يقول: "نمت في الشتاء القارس على الأرض فوق فراش خفيف وغطاء لا يقي من البرد عليه علم الاتحاد الأوروبي، وبقيت منتظرا حتى ترحيل مجموعة من اللاجئين أو نقلهم إلى مركز آخر كي أستطيع الحصول على سرير حديدي في غرفة بحالة سيئة".
شهادة محمد تطابقت مع أخرى يرويها عبد الحميد، وهو مقيم يمني الجنسية تعرض لاعتداء في إسطنبول حيث ألغت السلطات إقامته بعد مشاجرة مع مراهقين تهجموا عليه.
يقول عبدالحميد لبلينكس أنه أصيب بمرض جلدي بسبب الاحتجاز فهناك تعاملنا السلطات بمرتبة دون البشر، وبسبب تكدس الأعداد وانعدام سبل النظافة تنتشر الأمراض كثيرا بين المحتجزين. ويتهم عرفة دائرة الهجرة بأنها تتعمد هذه المعاملة القاسية لدفع اللاجئين لطلب الترحيل، خصوصا أولئك الذين يتطلب سفرهم حجز مقعد طائرة.
يضيف: "كان معنا في الغرفة مسن سوري مقعد وآخر مصاب بالسرطان، كما جاؤوا بعراقي يخضع لغسيل الكلى مرتين في الأسبوع". وختم قائلا، "لو يسمح لأي وسيلة إعلام بالدخول لمراكز الترحيل، فسيصدم العالم جميعا بوضع اللاجئين في تركيا وسوء المعاملة التي يتعرضون لها".
لم تقتصر حملات ترحيل اللاجئين على الرجال بل شملت أسرا بأكملها من نساء وأطفال، ولعل حادثة المرأة الجزائرية الكفيفة التي رحلتها تركيا إلى إدلب السورية كانت مثالا على الطريقة تركية في معاملة اللاجئين.
وحصلت بلينكس على شهادات للاجئين تم ترحليهم مع أسرهم من تركيا، حتى مع امتلاكهم الأوراق الثبوتية.
يقول عبد السميع، وهو عراقي من محافظة الأنبار، إن سلطات مركز ترحيل اللاجئين في ولاية أيدن التركية عمدت لفصله عن عائلته رغم وجود غرف مخصصة للعائلات، بهدف إجباره على الرحيل".
وأضاف، "كنت التقي مع أسرتي في الباحة مرتين في الأسبوع فقط ولنصف ساعة، وظهرت أعراض الأذى النفسي على أطفالي الثلاثة، حيث يتم إجبارهم على البقاء في غرفة خالية إلا من الأسرّة لمدة 24 ساعة.
وأردف، "كنت اشتري كل المستلزمات لأطفالي من مالي الخاص بينما هناك عائلات كانت تعاني بسبب عدم اكتراث إدارة المركز لوضع الأطفال والنساء وما يحتاجونه من مستلزمات".
كما قابلت بلينكس يزن وهو لاجئ سوري من محافظة الرقة، وتحدث عن معاناته داخل مركز الترحيل في ولاية كوجالي، إذ كان الطعام يأتي مبكرا جدا وبوجبات قليلة جدا، لا تكفي لشخص واحد، فكيف بأسرة لها 4 أطفال؟
ولم يكن طلب سلطان العودة إلى بلاده نهاية الأزمة، فقد رحلت السلطات أسرته أولا، لتلحقه بهم بعد 8 أيام.
وكشفت إحصائية لإدارة الهجرة التركية، نشرت منتصف أبريل الماضي انخفاضا في أعداد اللاجئين السوريين في البلاد خلال شهرين. وذكرت الإحصائية أن عدد اللاجئين السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في جميع أنحاء تركيا، بلغ 3 ملايين و120 ألفاً و430 شخصا.
بينما كانت آخر إحصائية أصدرتها دائرة الهجرة بتاريخ في فبراير هذا العام، 3 ملايين و158 ألفا و724 شخصا، وبالمقارنة فقد انخفض عدد السوريين في تركيا بأقل من شهرين بمقدار 39 ألف لاجئ تقريبا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة