كيف سترد روسيا على فضيحة كورسك؟

يوم السادس من أغسطس، باغتت كييف موسكو تماما، وحوّلت دائرة الضوء في الحرب المستمرة منذ ما يزيد على عامين من الجبهة الأوكرانية إلى كورسك الروسية.

الآن بعد قرابة أسبوعين على تحريك رقعة الشطرنج، أعلنت أوكرانيا السيطرة على 1150 كيلومترا مربعا في الداخل الروسي، بالإضافة إلى ما يزيد على 80 بلدة، وبالتوازي، يعمل الجيش الأوكراني على إنشاء إدارة عسكرية في كورسك.

ولكن في الوقت نفسه، تعمد روسيا إلى محاولة التقليل من أهمية الهجوم الأوكراني، حتى في قاموس المصطلحات التي تستخدمها في وصف الأزمة على الجبهة الغربية.

فرغم مئات الكيلومترات، التي سيطرت عليها أوكرانيا، يفضّل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن يصف ما حدث بأنه "استفزاز مسلح"، بينما يستخدم الرئيس الروسي ومسؤولوه، بحسب صحيفة "الغارديان"، ألفاظا أخرى؛ مثل "هجوم إرهابي" أو "أحداث منطقة كورسك".

لكن تقريرا للصحيفة البريطانية يشير إلى أن تلك الحيلة لن تفيد بوتين ورجاله طويلا، فكلما طال أمد الهجوم الأوكراني، أصبح من العسير عليه تجاهله أو التعامل معه، بوصفه مجرد "عقبة" في حرب ناجحة.

بوتين لا يفضّل كذلك الحديث عن الخسائر، ففي اجتماع رسمي تم بثه، قاطع بوتين بحزم حاكم منطقة كورسك، عندما حاول أن يعدّد البلدات التي استولت عليها أوكرانيا، وطلب منه أن "يترك مثل هذه الأمور للجيش"، ويركّز حديثه حول الاستجابة الإنسانية.

لكن رد الفعل المتمهل على المباغتة الأوكرانية قد يكون انعكاسا لمسألة أكبر، أو بالأحرى سمة لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأزمات الكبرى، حسبما تصف رئيسة مكتب موسكو في صحيفة واشنطن بوست، روبين ديكسون، في تحليل حديث لها.

تقول ديكسون إن استجابة بوتين العسكرية "البطيئة" و"المتعثرة" على الهجمة الأوكرانية المباغتة، ما هي إلا مثال جديد على فشل الكرملين في تقديم ردود أفعال "سريعة وحاسمة" على الأزمات، وتُدلل على ذلك بحوادث سابقة، فمثلا إبان قيام يفغيني بريغوجين بتمرده الشهير، وكذلك عندما هاجم متطرفون قاعة حفلات روسية، تأخر رد فعل بوتين لمدة تجاوزت 24 ساعة في بعض الحالات.

وبينما أمر بوتين مسؤوليه بالتخلص من القوات الأوكرانية التي طرقت بابه، عاد هو بشكل سريع إلى مهامه المعتادة، فعقد لقاءات مع زعماء دوليين واجتماعات مع مسؤولين محليين، بالإضافة إلى عقده اجتماعا اعتياديا مع مجلسه الأمني لمناقشة "حلول تقنية جديدة" للحرب في أوكرانيا، كما تصف ديكسون، قبل السفر مؤخرا إلى أذربيجان.

وعلى ذلك علق الخبير الأمني الروسي في معهد الخدمات المتحدة بلندن، مارك جاليوتي، قائلا: "هذا هو بوتين، الذي يتوقع أن يقوم أُناس آخرون بالعمل الصعب، في حين يستحوذ هو على الثناء لأي شيء ينتهي بنجاح، وفي الوقت ذاته، يلوم الآخرون على أي فشل".

على الرغم من ذلك، لا يعتقد محللون أن تتأثر الحالة الأساسية للحرب بما يحدث، ومن بينهم مؤسسة مجموعة R.Politik للدراسات التحليلية، تاتيانا ستانوفايا، التي قالت لديكسون، إن الهجوم الأوكراني "أذل روسيا"، وأظهر قدرة أوكرانيا على الصمود، لكن أوكرانيا لا تزال تتعرض لضغوط من أجل التفاوض على صفقة تتنازل فيها عن أراضٍ مقابل السلام، خاصة بعد فشل الهجوم المضاد في الصيف الماضي.

وذلك بالإضافة إلى مخاوفها المتعلقة بمستقبل الحصول على الأسلحة الغربية، واحتمال صعود دونالد ترامب إلى السلطة.

بالطبع حقق عنصر المفاجأة أفضلية للقوات الأوكرانية في هجوم كورسك، ولكن بعد مضي قرابة أسبوعين على الهجمة الأولية، بدأ معدل تقدم القوات الأوكرانية في الانخفاض، ووفقا لتقرير أعدته صحيفة الإيكونمست، وبدأ الجنود الأوكران يلاحظون ميدانيا مستوى جديدا من المقاومة الروسية، فيما بدأت خسائرهم أيضا تتزايد.

وفقا للصحيفة، فإن روسيا عززت من قواتها في الجبهة الجديدة، وجلبت إلى ساحة القتال وحدات أفضل تدريبا، بينها مشاة بحرية وقوات خاصة، كما تحاول تعويض ما فاتها عن طريق دراسة المنطقة.

لكن هذا ليس كل شيء، إذ تحاول روسيا تشكيل ضغط على كييف من خلال جبهة أخرى، ففي حين يقول مسؤول حكومي أوكراني إن النشاط العسكري انخفض على سبيل المثال في دونباس، فإن روسيا تعمد إلى تحويل بعض قواتها لصد الهجوم الأوكراني.

هناك استثناء في القاعدة، وهو مدينة بوكروفسك، التي حققت روسيا فيها بالفعل تقدما كبيرا قبل الهجوم الأوكراني، لكنها الآن، تسعى لتعزيز التقدم، وبهذه الطريقة يمكنها استنزاف الموارد الأوكرانية في معركة داخلية، في حين تعمل على "سحق التوغل" من الجهة الأخرى.