تصويت البريد.. حيلة "الحرب الأهلية" التي تزعج الجمهوريين

في الثانية عشرة ظهر يوم الجمعة 6 سبتمبر، بالتوقيت المحلي، افتتحت كارولاينا الشمالية الموسم الانتخابي، إذ بدأت الولاية إرسال بطاقات الاقتراع عبر البريد إلى آلاف الناخبين في منازلهم.

كارولاينا الشمالية محطة فاصلة بالنسبة إلى كل من ترامب وهاريس، ففي عام 2020، فاز بالولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، بفارق ضئيل عن منافسه جو بايدن، إلا أنها هذه المرة قد تكون بين قائمة الولايات المتأرجحة والمحددة للمصير في الصراع الانتخابي.

فهاريس من جهة، تحاول التعويل على الأميركيين السود والشباب لاستعادة الولاية، بحسب وكالة "فرانس برس"، بينما ينوي الرئيس السابق، التوجه للولاية بنفسه هذا الأسبوع، للتحدّث إلى جموع المصوِّتين، الذين قد يقولون كلمتهم بين ساعة وأخرى.

على مدار الشهرين القادمين، ستنضم ولايات أخرى إلى كارولاينا الشمالية، في عملية التصويت عبر البريد، التي يمارسها الأميركيون منذ عقود طويلة، تعود ربما إلى الحقبة الاستعمارية، كما يوضّح تقرير أعدّته صحيفة تايم الأميركية.

فخلال القرن الـ17، كانت هناك استثناءات تسمح للمصوّتين بالتصويت عن بعد، في حال إذا كانت منازلهم معرّضة لخطر هجمات السكان الأصليين.

لكن في زمن الحرب الأهلية الأميركية، بدأ النظام يتخذ ملامحه الواضحة، وبدأ تنفيذه على نطاق واسع، إذ كان أغلب الرجال، الذين لهم حق التصويت في ساحات القتال، ومن ثمّ سُمح لجنود الاتحاد بالتصويت من أسرة المستشفيات ومن معسكرات الجيش، تحت إشراف موظفين من الدولة.

في أوائل القرن العشرين، عاد النظام للصدارة مرة أخرى، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، إلا أنه أخذ في التمدّد، فأصبح من الممكن للناخبين من غير الجنود أيضا أن يصوّتوا غيابيا، وذلك لارتباطهم بالعمل خلال يوم الانتخابات.

وظل النظام قائما على مدار عقود، إلا أنه اشترط أن يكون لدى الناخب عذر يمنعه من الوصول لصندوق الاقتراع يوم الانتخابات، وذلك حتى عام 1978، عندما أصبحت كاليفورنيا أول ولاية تسمح للناخبين بالتصويت غيابيا دون عذر محدَّد.

وبحلول عام 2020، أصبحت 5 ولايات تسمح بنظام التصويت عبر البريد بشكل كامل، في حين تسمح 29 ولاية بنظام التصويت الغيابي دون عذر، كما تسمح 16 ولاية بالتصويت عبر البريد أو غيابيا مع تقديم عذر.

تختلف قواعد التصويت عن بعد بين ولاية وأخرى، إلا أن التصويت عبر البريد ينقسم في مجمله إلى قسمين:

• التصويت الغيابي: ويعني طلب الناخب الحصول على بطاقة الاقتراع، عبر البريد في وقت مسبق، بحسب موقع usa gov، والتي يعيد الناخب إرسالها بعد أداء صوته، وبعض الولايات تتطلب تقديم عذر مقبول عن عدم القدرة على الحضور لمراكز الاقتراع، كالمرض أو السفر أو الدراسة، في جامعة خارج حدود الولاية.

• التصويت عبر البريد: ● وفيما يتم التصويت الغيابي أيضا عبر البريد، إلا أن المقصود بـ"التصويت بشكل كامل عبر البريد"، هو إرسال الولاية بشكل تلقائي لبطاقات الاقتراع لكل الناخبين المسجّلين لديها قبل يوم الانتخابات، دون أن يطلبوا ذلك، ويُطبق هذا النظام عدد قليل من الولايات.

في واقع الأمر، يتم إحصاء الأصوات التي جاءت عبر البريد، يوم الانتخابات، في معية الأصوات الأخرى التي أدلى بها الناخبون في مراكز الاقتراع.

فمع تقديم طلب التصويت عن بعد، يوفر الناخب اسمه وعنوانه، ويصله عبر البريد بطاقة اقتراع وظرفين، أحدهما يضع فيه الناخب بطاقة الاقتراع بعد الإدلاء بصوته، ويُحكم إغلاقه، ليبقى الصوت مجهولا حتى يوم الانتخابات، أما الآخر فيوضع فيه الظرف الأول، ويوقع الناخب عليه من الخارج، بحسب مركز بروكينغز البحثي.

تتلقّى السلطات الظرف الخارجي، وتتأكّد من أن توقيع الناخب هو توقيع لناخب مسجَّل لديها بالفعل، ثم تُخرج الظرف المُحكم الإغلاق وتُبقيه بمأمن، حتى يتم فضه يوم الانتخابات، ليتم إحصاء أصوات البريد جميعها وإضافتها لأصوات مراكز الاقتراع.

ويمكن للناخب، الذي تلقى بطاقة اقتراع عبر البريد، أن يصوّت في مركز اقتراع بنفسه، ما إذا رغب في ذلك، إلا أن عليه تسليم بطاقة الاقتراع الغيابي في المركز التابع له، وتسلم بطاقة جديدة للتصويت الحضوري.

حسنا، قد يجعل هذا النظام عملية التصويت يسيرة للعديد من الفئات، إلا أنه يثير جدلية معقدة بين الجمهوريين والديمقراطيين.

الجمهوريون يخشون من أن بعض الفئات تستفيد من هذا النظام دون غيرها بسبب سهولته، وذلك في حين أنها فئات تصوّت عادة بأعداد قليلة، ومن بينهم الشباب والأقليات ومحدودو الدخل.

لكن عمليا، ييسّر هذا النظام التصويت لفئات أخرى، تميل في أغلب الأحيان ناحية الجمهوريين، ومن بينهم كبار السن.

ويقول مركز بروكينغز إنه لا دليل على أن النظام يخدم حزبا أكثر من الآخر، أو أنه يسمح بالتلاعب بالانتخابات، كما أن هؤلاء الذين يسيئون استخدام نظام التصويت عبر البريد يُعاقبون بالسجن والغرامات.