أفول "التدخل الليبرالي".. عزلة المملكة المتحدة عن الساحة الدولية

أوضح كريس دويل لبلينكس أن المملكة المتحدة لم تستثمر في قدراتها الدفاعية للحفاظ على مكانتها. وأشار إلى أن هذا التراجُع يعكس تردّد الحكومة في إنفاق الموارد اللازمة لتعزيز القدرات العسكرية.

تحذيرات متكررة من الأدميرالات البريطانيين، مثل اللورد ألان ويست، أكدت هذا التراجع، إذ وصف ويست القوات المسلحة بأنها "صغيرة للغاية"، مشيرا إلى أن هذا الضّعف يعوق قدرتها على التّعامل مع الأزمات العالمية.

وعلى الرغم من هذه التحذيرات، تستمر الحكومة البريطانية في تقليص ميزانية الدفاع، إذ أفاد موقع UK Defence Journal بأن الإنفاق الدفاعي سينخفض بمقدار 2.5 مليار جنيه إسترليني، بحلول مارس 2025. يشمل ذلك خفض النفقات التشغيلية والرأسمالية، ممّا يثير تساؤلات بشأن أولويات المملكة المتحدة، في ظل التحديات العالمية المتزايدة.

بالإضافة إلى ضعف القدرات العسكرية والاقتصادية، باتت الدول، بما في ذلك المملكة المتحدة، تُعطي الأولوية للقضايا الداخلية على حساب التدخلات الخارجية. أشار دويل إلى أن الأحداث في غزة وسوريا مُؤخّرا قد أظهرت هذا الانسحاب التدريجي.

يقول: "عندما حاولنا (منظمة مجلس التفاهم العربي البريطاني) تنظيم جلسات إحاطة للبرلمانيين، بشأن غزة أو فلسطين، كان من الصعب جذب انتباههم، وبالنسبة إلى سوريا، رغم التطورات الدراماتيكية خلال الأيام الأخيرة، لم يكن هناك نقاش يُذكر في الولايات المتحدة أو أوروبا".

هذا التركيز على الشؤون الداخلية لا يعكس فقط التوجه البريطاني، بل يمتد ليشمل دولا غربية أخرى، ومن أبرز الأمثلة، ما نشره الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، عبر حسابه على منصة "تروث سوشيال": "سوريا في حالة فوضى، لكنها ليست صديقتنا، ويجب ألا تكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذا ليس صراعنا. دعِ الأمور تسير بطريقتها. لا تتورطوا!".

لا يعكس الانسحاب البريطاني مِن الساحة الدولية فقط الضعف العسكري أو التركيز على القضايا الداخلية، بل يمثّل أيضا موت فكرة "التدخل الليبرالي" التي كانت تميز السياسة الخارجية البريطانية، في عهد توني بلير.

وفقا لدويل، كان "بلير رمزا للتدخل الليبرالي، كما ورد في خطابِه في شيكاغو عام 1999، إذ برَّر ضرورة التدخّل في الدول التي تحتاج إلى المساعدة". ومع ذلك، فإن الفشل الذريع في التخطيط والتنفيذ في العراق، خاصةً في أثناء الاحتلال، أدّى إلى تحطيم الدعم العام لفكرة التدخلات العسكرية المستقبلية.

وأشار دويل إلى أن "هذا الفشل كان له تأثير كبيٌ على قرارات السياسيين البريطانيين، كما ظهر في تصويت البرلمان في عام 2013 بشأن التدخل في سوريا، بعد استخدام الأسلحة الكيميائية". وأضاف: "الانعزالية باتت التوجه السائد، إذ أصبحت الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، تتبنى سياسات انعزالية، وهذا التوجه لم يعد مُقتصرا على بريطانيا وحدها".

في ظلّ هذه التحولات، تساءل دويل عن مستقبل التدخّل الليبرالي، مشيرا إلى أن التدخلات العسكرية، رغم مخاطرها، قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، لكن يجب أن تدار بشكل أكثر فاعلية، وبما يخدم مصالح الشعوب المتضرّرة، وليس المصالح الضيقة للدول المتدخلة. وقال: "لا يعني التدخل أنه دائما خطأ، لكن يجب أن نتعلّم كيف ننفّذه بشكل صحيح".