بينما تواصل إسرائيل استعداداتها لاحتمال توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تميل نحو المسار الدبلوماسي، في تحول يضع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام معضلة استراتيجية معقدة.
فبعدما كان نتنياهو يعوّل على شراكة عسكرية مع ترامب لتنفيذ ضربة استباقية ضد طهران، تشير التقارير إلى أن البيت الأبيض يفضل الآن صفقة تفاوضية مع إيران بدلا من العمل العسكري.
وقد حذرت الاستخبارات الأميركية من أن إسرائيل تخطط لتنفيذ ضربات عسكرية كبيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال النصف الأول من عام 2025، في محاولة استباقية لإعاقة البرنامج النووي الإيراني، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.
وأشارت المعلومات الاستخباراتية إلى أن الضربة ستستهدف مواقع نووية استراتيجية مثل "فوردو" و"نطنز"، وربما تؤدي إلى تأخير برنامج طهران النووي لأسابيع أو أشهر فقط، لكنها قد تدفع إيران إلى تسريع تخصيب اليورانيوم إلى مستوى تصنيع الأسلحة.
يأتي هذا التحذير في إطار تقييمات استخباراتية أميركية أعدتها مديرية الاستخبارات التابعة لهيئة الأركان المشتركة ووكالة استخبارات الدفاع، والتي خلصت إلى أن إسرائيل ترى أن الفرصة لتنفيذ الضربة قد تكون مواتية بسبب الضعف الإيراني بعد الضربات العسكرية الأخيرة، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
كذلك، أشارت التقييمات إلى أن إسرائيل ستحاول إقناع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدعم الضربة، إذ تعتبره أكثر ميلا لاتخاذ إجراءات عسكرية مقارنة بسابقه، جو بايدن.
فهل ستجازف إسرائيل بشن هجوم منفرد قد يشعل صراعا إقليميا واسعا، أم أنها ستقبل بالتوجه الدبلوماسي الذي يسعى ترامب إلى فرضه؟ وما هي الحسابات التي ستحدد قرار إسرائيل في ظل تراجع النفوذ الإيراني والضغوط الداخلية التي تواجهها طهران؟
اعرف أكثر
لم يحسم ترامب بعد قراره بشأن دعم إسرائيل في أي ضربة عسكرية ضد إيران، وفقا لصحيفة واشنطن بوست. وقد حددت التقارير الاستخباراتية خيارين محتملين لتنفيذ الهجوم:
ضربة عن بعد (Standoff Strike): إطلاق صواريخ جو-أرض بعيدة المدى من خارج المجال الجوي الإيراني.
هجوم مباشر (Stand-in Strike): دخول الطائرات الإسرائيلية إلى المجال الجوي الإيراني لتنفيذ ضربات مباشرة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات من طراز BLU-109.
وكانت إدارة ترامب قد وافقت مؤخرا على بيع أنظمة توجيه لهذه القنابل إلى إسرائيل، مما يشير إلى استعداد واشنطن لدعم خيارات إسرائيل العسكرية، بحسب واشنطن بوست.
لكن ترامب يفضل الدبلوماسية على العمل العسكري..
في تحول لافت، أظهرت تصريحات ترامب الأخيرة ميلا واضحا نحو الحلول الدبلوماسية بدلا من العمل العسكري.
فقد صرح ترامب، في مقابلة مع فوكس نيوز، أنه يفضل "التوصل إلى اتفاق مع إيران بدلا من قصفها"، مما أثار صدمة لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان يأمل في دعم عسكري أميركي ضد طهران، وفقا لتقارير صحف إسرائيلية.
كما أقال ترامب مبعوثه المتشدد إلى إيران، بريان هوك، واستبعد مايك بومبيو من أي دور في فريقه الدبلوماسي، في خطوة تشير إلى توجهه نحو المفاوضات بدلا من المواجهة.
تعاني إيران من ضغوط غير مسبوقة على مستويات عدة. فقد أدى انهيار شبكة حلفائها الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة والحوثيين في اليمن، إلى تراجع قدرتها على تنفيذ عمليات هجومية، وفقا لتقرير واشنطن بوست.
كما أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة أضعفت قدراتها الدفاعية، ما جعلها أكثر عرضة لهجمات مستقبلية.
إضافة إلى ذلك، تواجه إيران أزمة اقتصادية خانقة، فقد تراجعت قيمة عملتها بشكل كبير، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة، في ظل فساد مستشر، والتحدي الأكبر لإيران اليوم ليس تهديدا خارجيا، بل الخوف من انتفاضة داخلية جديدة، حسب صحف إسرائيلية.
مع تحول ترامب نحو الدبلوماسية، يجد نتنياهو نفسه أمام خيارين صعبين:
المضي قدما في الضربة العسكرية، مما قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع، وربما يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران.
القبول بالمسار الدبلوماسي الذي يفضله ترامب، مما قد يضعف موقف إسرائيل ويجعلها على هامش أي مفاوضات مقبلة بشأن الملف النووي الإيراني.
تحذر شخصيات أمنية إسرائيلية من أن معارضة توجه ترامب قد تكلف إسرائيل "ثمنا باهظا"، وفقا لما قاله أودي ليفي، الرئيس السابق لوحدة الحرب الاقتصادية في الموساد.
ويرى محللون إسرائيليون أن الخيار الأفضل لنتنياهو قد يكون محاولة التأثير على مسار المفاوضات الأميركية- الإيرانية بدلا من تحدي ترامب.
تشير دراسات علمية إلى أن أي ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني قد لا تكون كافية لتدميره بالكامل.
وفقا لدراسة نشرتها مجلة العلماء الذريين في أبريل 2024، فإن المنشآت النووية الإيرانية، مثل "فوردو" و"نطنز"، بنيت تحت الأرض بعمق كبير، مما يجعل تدميرها مستحيلا إلا باستخدام قنابل GBU-57A/B الضخمة التي تزن 13.2 طنا، وهي قنابل لا تمتلكها إسرائيل.
وبحسب تقرير سي إن بي سي نيوز، فإن إيران طورت المعرفة الفنية اللازمة لصنع الأسلحة النووية، مما يعني أنه حتى لو تم تدمير منشآتها، فستظل قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي لاحقا.
يبقى السؤال الرئيسي: هل ستغامر إسرائيل بشن ضربة عسكرية ضد إيران من دون دعم أميركي صريح؟ أم أن تحول ترامب نحو الدبلوماسية سيجبر تل أبيب على إعادة النظر في خياراتها؟
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تبدو إسرائيل في موقف معقد بين رغبتها في توجيه ضربة استباقية وبين ضرورة الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن.
وفي المقابل، تحاول إيران استغلال الانقسام الأميركي-الإسرائيلي لصالحها عبر الإشارة إلى استعدادها للحوار، فيما تواصل بناء قدراتها النووية.
الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مستقبل المواجهة بين إسرائيل وإيران، وما إذا كانت الحرب ستبقى احتمالا قائما أم أن المفاوضات ستفرض نفسها كمسار لا مفر منه.